الأحد، 3 مارس 2013

هل دمرت إنساناً ؟

"هل تعرفين سبب فشلي؟" فاجأتني بهذا السؤال، ثم استرسلت: "إنها معلمتي في المرحلة الابتدائية، هي سبب كل ما أنا فيه!"، استغربت من كلامها، فما دخل المعلمة بما يحدث لها الآن بعد سنوات طوال تزوجت فيها وأنجبت، بل وأصبحت اليوم جدّة!
 
 
تقول: حين كنت في بداية المرحلة الابتدائية كانت المعلمة تستهدفني بشكل شخصي، تصفني بالقبح والغباء أمام الفتيات، لا تتوانى عن توبيخي وضربي، جعلت مني أضحوكة أمام الجميع، بسببها عجزت عن فهم الدروس وكرهت المدرسة والتعليم بأكمله، كنت لا أنام الليل خوفًا منها، وكنت أصاب في الصباح بالمغص والغثيان، بل إنني كنت أستفرغ كل ما في معدتي الصغيرة أمام باب المدرسة فيشفق أبي علي ويُعيدني للمنزل.
 
 
حتى أتى اليوم الذي استسلم فيه أهلي لرغبتي وسمحوا لي بترك مقاعد الدراسة، تزوجت بعدها أول خاطب لسبب بريء وهو كي لا يعيدوني للمدرسة، فكنت كالمستجير من الرمضاء بالنار، لقد كانت معلمتي السبب الرئيس الذي جعلني أقبل بهذا الرجل السيئ الذي أحال حياتي جحيمًا، وها أنا اليوم أمامك أعاني ذل الحاجة ويحرجني عجزي عن فك الخط في الوقت الذي يتمتّع فيه كل من حولي بوضع اجتماعي ومادي يلائم طبيعة المجتمع، لقد دمرت تلك المعلمة حياتي.
 
 
أشفقت عليها، وتساءلت: هل يعي الناس أنهم بتصرّفات صغيرة ربما يتسبّبون في تدمير حياة إنسان؟ هل يعلم الشاب الذي قرّر أن يتسابق مع أصدقائه بسيارته في الشارع العام عن حال الشخص الذي صدمه؟ هل يستوعب عقله أن لحظة الترفيه التي تسابق فيها بطيش جعلت شخصًا آخر يفقد قدرته على الحركة ويستعين بالآخرين في كل شيء، كل شيء.
 
 
متى يستوعب الأب الذي لم يتوانَ عن وصف ابنه بالفشل في كل محفل ومقارنته بأقرانه؛ أنه السبب المباشر الذي جعل الابن يقضِ الساعات الطوال خارج المنزل، يصدّق فيها أنه سيئ ويتعرّف على صحبة سيئة، وربما قرّر أن يُكمل تعليمه في الخارج فقط ليهرب من المنزل ويمارس الضياع خارج حدود الوطن، كل ذلك بسبب كلمات قالها أبوه وحفرت لها مكانًا في روحه وهو طفل ليحملها معه رجلاً أينما ذهب ويحاول أن يخدّر غضبه منها باللهو الذي ربما يدمّر حياته.
 
 
متى يفهم الزوج أنه حين أدخل ابنة الناس إلى منزله وفرض عليها قوانينه الجائرة فحرمها من أهلها وصديقاتها وربما منعها من استكمال تعليمها وغير ذلك؛ أنه ساهم بشكل مباشر في إصابتها بمختلف الأمراض العضوية والنفسية في مجتمع لا يعترف بحق المريض النفسي في العلاج!
 
 
قد تبدو رسالة حديث هذا الاثنين بديهية، بكل بساطة لا تدمّر حياة الآخرين، لكنها أعمق من ذلك، هي تنبيه على خطورة سوء استغلال أي سلطة منحنا الله إياها نحو عباده، هي دعوة لنراعي آثار كل تصرّفاتنا على حياة الناس من حولنا، هي دعوة لنعي خطورة سلاح الكلمات ولا نستخدمه في تدمير حياة الآخرين فيعانوا بسببنا دون أن نعلم، فإن لم نعاملهم بالحسنى حرصًا عليهم فلتكن مراعاتنا خوفًا من الجبار الذي لا شك سيقتصّ لهم من فوق سمواتٍ سبع.
 
جريدة الراية القطرية- الاثنين 4/3/2013
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق