الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

ويحك.. ألم تبن البيوت إلا على الحب؟




يدور هذا السؤال في خلد الكثيرين، هل الحب وحده كافٍ لإنجاح العلاقة؟ هل يمكن أن تكون في شريك الحياة عيوب تطغى على الحب ولكنها لاتقتله؛ فيظل الشخص مذبذباً بين مشاعره التي تعلقت مرضياً بشخص ما وبين عقله الذي يرفض الإهانة، يصبح بذلك حبك لشخص ما إعاقة تعاني منها، وكأنها لعنة تحاول الخلاص من براثنها، وفي النهاية؛ ليس بالضرورة أن ينتصر الحب وتنجح العلاقة، مهما أردنا لها ذلك.



أذكر قصة لإحدى السيدات في مجتمعنا، حارب زوجها كل شيء ليتزوجها، فعل المستحيل ليتم ذلك الزواج رغم العقبات الشديدة التي كانت تحول بينه وبينها، كان يحبها حباً عنيفاً يتحدث عنه كل الأقارب والمعارف في مجتمعنا المحافظ! وددت لو أنني ذكرت تفاصيل قصة زواجه بها إلا أنني نأيت عن ذلك خشية أن يتعرف أحد على الشخصيات في الواقع، اكتشفت زوجته بعد الزواج إدمانه على العلاقات النسائية، وتكررت خياناته ،وفي كل مره "تصيده" يبكي ندماً ويعدها بأنه سيتغيرفتصدقه، ولكنه لايستطيع ترك "خرابيطه" ثم تعود لـ"تصيده"،وظلا على هذه الحالة لسنوات، حبه لها لم يثنه عن العلاقات المحرمة، حتى نفد صبرها في النهاية إذ استنزفت كل طاقتها معه من أجل الحب الذي "لم يكف"، ورغم عدم شكها في حبه الشديد لها،ورغم أنهما قد كبرا في السن وكبر أبنائهما، إلا أنها انهارت في النهاية وأصرت على الانفصال وافترقا وسط ذهول الناس ممن لم يتوقعوا أن فلاناً سيترك فلانة!



رأيي ليس عدم كفاية الحب فحسب، وإنما أرى بكفاية اللا-حب، وأذكر هنا قصة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين عاتب رجلاً أراد أن يطلق زوجته لأنه لايحبها فقال له "ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟"، أستغرب كثيراً ممن يرى أن ((الحب)) .. تلك المشاعر المرتبطة بكيمياء الجسم .. تلك الأحاسيس التي ينبض بها قلب متقلب وتسيرها روح ليست ملكاً لصاحبها: هو وحده المسئول عن نجاح العلاقة من عدمه، أهناك بوليصة تأمين على المشاعر استلم صكها أولئك الحالمون ولم أعلم بها؟


إن عدم وجود الحب لايعني الكره بالضرورة، الاحترام والثقة أمران قد يغنيان عن الحب بل يفوقانه أهمية وربما دخلا ضده في معركة يفوزان بها بجدارة فتفشل العلاقة التي لم ينجحها الحب، ثم إن نوع الحب نفسه قد يكون سبباً في إفشال العلاقة، فليس كل حب جميلاً، هناك أنواع مشوهة من الحب تدفع بصاحبها إلى الشقاء وقصور التفكير، فكم من امرأة عشقت زوجها حتى وصلت لدرجة الغيرة الهوجاء والشك والحساسية الشديدة لأي موقف، فنفرته منها وجعلته يكره حبها له، وفي هذه الحالة عدم كفاية الحب ليست سبب إفشال العلاقة، وإنما نوع الحب هو مازعزع أركان ذلك البيت، والأمر ذاته ينطبق على الأزواج ممن وصل حبه لزوجته لدرجة التملك والشك فحرمها من كل ماسواه حتى كرهت الزواج وفقدت طعم السعادة.




قد يزعج كلامي هذا الرومانسيين الذين يرون بالفاعلية القصوى للحب في إصلاح كل شيء، وددت لو أن الحب هو تلك العصا السحرية التي تحل كل المشاكل، ولكن الواقع أمامي يقول أن القيم المثالية كالحب والطيبة والوضوح ليست ما ينجح العلاقة، وإنما الصفات العملية كالذكاء والحكمة والصبر والاستقلال العاطفي وغير ذلك من صفات السعداء في علاقاتهم، تلك الصفات التي إن تمتع بها الشخص فإنه سيستطيع معالجة كل طارئ بتجرد من أحكام القلب التي كثيراً ماتكون مشوشة وغير حيادية.



الكلام في الحب يطول ولامجال هنا لشرح الكثير، لطالما بحثت في عالم الحب الغريب وقرأت عنه في كتب الأولين ومنها أستاذ الحب كتاب (طوق الحمامة) لابن حزم الأندلسي ،وكتب المحدثين كروايات العصر الحديث والكتب المعنية بالعلاقات، وأذكر في هذا المقام الإصدار القطري المتميز كتاب(مجنون ليلى بين الطب والأدب) للدكتور حجر البنعلي، لأجد أن الحب بمعناه السائد في الإعلام بين الجنسين هو حالة من الضعف يرفض عقلي تقبلها بل لاأراني يوماً متجردة من أحكام العقل لأجري وراء ماتمليه علي حالة من التخبط الكيميائي البحت أو "التوهان" النفسي الذي أراه _عُذراً_ مضحك.

قرأت مرة أن عمر الحب العنيف قصير، مما يؤكد على أن الحب _مهما غرتك قوته_ ليس لايكفي فحسب؛ وإنما زواله وارد جداً ، المشاعر القوية الهائجة أكبر من أن تستمر، فالحب المجنون مثله مثل الكره المجنون، أكثر شدة من أن يستمر، لاتحتمله أرواحنا، وهو أولى من غيره بالفتور والاضمحلال، فلايغرنك الحب واجعل لك في كل أمورك خط رجعة.
أوردت الكاتبة الأميركية شون سولفو ضمن سيناريو فيلم (ماجدولين الكابتن كوروللي) المبني على الرواية الإنجليزية بذات العنوان لقصة حب تدور أحداثها وقت الحرب العالمية الثانية؛ بأنك عندما تقع في الحب، فإنه جنون مؤقت، يهجم كزلزال، وبعد ذلك يهدأ، وعليك بعد أن يهدأ أن تتخذ القرار، إما أن تجتهد في معرفة ما إذا كانت جذوركما قد أصبحت متصلة ببعضها لدرجة أنه من المستبعد أن تفترقا في يوم ما، وذلك أن هذا هو الحب.. الحب ليس حالة تسارع الأنفاس، إنه ليس تلك الإثارة، ولاتلك الرغبة الشديدة في لقاء ذلك الشخص في كل ثانية من اليوم، تلك الأمور ليست الحب وإنما هي حالة "الوقوع" في الحب ؛ الأمر الذي يستطيع أي منا إقناع نفسه بالشعور به، الحب نفسه هو بقايا تلك الحالة بعد أن تخمد نار الوقوع في الحب، لايبدو الأمر مثيراً لتلك الدرجة، أليس كذلك؟ ولكنه كذلك.

هذه ليست دعوة لعدم الحب، وربما يستحيل ذلك، وإنما هي دعوة لحقن العلاقات بجرعات من العقلانية التي لن تقلل من الرومانسية وإنما ستقلل من أضرار الاندفاع الأهوج خلف مشاعرغير مبررة بالضرورة.