الأحد، 10 مارس 2013

نجحوا في الحياة فشلوا في الحب

يُقال إن وراء كل رجل عظيم امرأة، بمعنى أنها سبب نجاحه بدعمها له، لكنني أتحفّظ على استخدام كلمة "كل" في المقولة، ففي حالات كثيرة يكون وراء الرجل العظيم امرأة لا تفهمه وتعجز عيناها عن رؤية مميّزاته، لعلّه أصبح عظيمًا بسبب انغماسه في العمل هروبًا منها.
 
الأمر ذاته ينطبق على المرأة العظيمة، فبعضهن ابتلين برجال يحاولون مرارًا سحبهن للوراء مهما بلغن من التميّز، ولهذا السبب ثمة عظيمات لم نسمع بهن للآن، البعض لا يحتجن للدعم بقدر حاجتهن للتخلّص من القيود التي ما أنزل الله بها من سلطان، يُقال في هذا السياق: وراء كل امرأة عظيمة رجل تركها في حالها، وإحقاقًا للحق؛ فأنا أتحفّظ هنا كذلك على استخدام كلمة "كل"، لكن الشيء بالشيء يُذكَر.
 
الفيلسوف اليوناني سقراط الذي يُعتبر مؤسس الفلسفة الغربية حيث ملأ العالم قيمًا في ذلك الزمان وسار على خُطاه الكثير من الفلاسفة لم يكن متوافقًا مع زوجته، يُقال إنها كانت سليطة اللسان يعلو صوتها عليه بالإهانات أمام تلاميذه، لم تتفهّم عظمة ما كان يفعله، لكنه انشغل عن اختلافه معها بفلسفته وتلاميذه فترك للعالم إرثًا تنهل منه البشرية حتى اللحظة.
 
ومن النماذج المعاصرة السيد راتان تاتا الذي يَدرس طلبة الجامعات عبقريته في إدارة الأعمال والخدمات الجليلة التي قدّمها لبلاده، حيث كرّمته حكومة الهند بمنحه ثاني أكبر وسام في الدولة (ولا تزال شوارع الهند تتزيّن بسيارات تاتا الهندية في الوقت الذي يُقرأ فيه هذا المقال)، ابتكر هذا الرجل سيارة تاتا نانو وهي أرخص وأصغر سيارة في العالم، وذلك بعد أن رأى أسرة هندية تركب دراجة ذات عجلتين على طريق وعرة فاستفزّه المنظر وقرّر أن يبتكر سيارة منخفضة السعر للفقراء، تمكن من تحقيق ذلك في ست سنوات فقط.
 
هذا الرجل العظيم عاش حياته مكافحًا حتى وصل إلى هذه المرحلة من النجاح والثروة ولكنه إلى اليوم وفي عمر السادسة والسبعين ما زال عازبًا وقد نقل عنه موقع بزنس ستاندرد (وهو موقع متخصص في أخبار الأعمال في الهند) بعد أن أتمّ السبعين عامًا أنه يعترف أنه وحيد ولكن ليس لديه الجرأة الكافية كي يُعالج هذا الوضع، كما ذكر أنه طالما عانى من مشاكل في الثقة بالنفس، ويُقال إن بعض مشاكله النفسية قد حلّت بعد أن تطوّرت شركة تاتا موتورز مع الألفية الجديدة.
 
إن الانشغال بتحقيق الإنجازات خير وأعظم أجرًا من الانشغال بالسعي خلف حب لم يُكتب لنا، كثير من الأفراد الفعّالين في المجتمع هم نتاج بيئة أسريّة طاردة، بل إن الكثير ممن قدّموا للبشرية خدمات جليلة هم أنفسهم لم يجدوا في حياتهم الخاصة من يحنو عليهم ويسعدهم، ولا بأس، فمُعاناة الإنسان على صعيد واحد من حياته لا تعني فشله في بقية الأصعدة، وإنما قد يمنحه ذلك النقص دافعًا للتفوّق المذهل في الأمور الأخرى، والأمثلة من حولنا كثيرة.
 
الراية القطرية- الاثنين 11/3/2013 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق