الأحد، 24 فبراير 2013

لماذا أنا ؟!

ما الذي فعلته ليحصل لي كل هذا؟ سؤال قد يتبادر إلى الذهن في لحظة ضعف ويجعل الإنسان يتساءل: لماذا أنا؟ لماذا أنا بالذات أُحرم من ذلك الأمر الذي يتمتع به الكثيرون غيري، بل يتمتع به من هم دوني في الأخلاق أو الإيمان أو غير ذلك.
 
قد يتساءل أحدنا: لماذا أصبت بهذا المرض المُزمن بينما فلان يتمتع بصحة يُمارس بها المنكرات ويُسافر لأقصى بقاع الأرض وأنا هنا محبوس في مكاني أعجز حتى عن الذهاب لأقرب الأماكن؟ وقد تتساءل أخرى: ألا أستحقّ زوجاً أفضل من هذا الذي قَلَب حياتي جحيماً رغم كل ما أفعله من أجله بينما زوج فلانة يُوفر لها كل شيء وهي أقل مني في كل شيء؟ وربّما تساءل أحدهم: أيعقل أن أُحرم من الزواج لسوء وضعي المادي وأنا العفيف الذي ما عرف الحرام يوماً بينما فلان الفاسق يملك الأموال التي فاضت بها جيوب فتيات الهوى؟
 
ما هو الشيء الذي يُشعرك بالنقص لتتساءل حياله: لماذا أنا؟ إن كان في دينك فأنت حقاً تُواجه خسارة كبيرة عليك تداركها قبل أن يسبقك الآخرون إلى جنان الخلد، أمّا إن كان في غير الدين فتلك أمور زائلة لا يُعتدّ بها إطلاقاً، فالدنيا تُقبِل على البَر والفاجر، لأنها ليست بذات قيمة أصلاً؛ ما لم يُستعان بها في التزوّد للآخرة الباقية.
 
لو كان للأرزاق الدنيوية قيمة تُذكر ولو وُزّعت بين الناس حسب ما يستحقون لما سقى الله كافراً في الدنيا شربة ماء، لكن الدنيا أحقرعنده سبحانه من جناح بعوضة، ثمّ إن قيمتنا عند الله لا يحدّدها ما نملك من صحة أو مال أو أبناء أو منصب أوغير ذلك، كما أن الابتلاءات مهما اشتدّت فهي زائلة وقصيرة أطولها سيُنهيه الموت قطعاً، وما أقرب الموت.
 
من المفارقات العجيبة التي تبرز مع جملة "لماذا أنا؟" أن الإنسان قد يتحسّرعلى حاله وهو لا يعلم أنه في خير عظيم، الوجع الدنيوي أشغله عن إدراك ذلك، ورغم أننا نعلم أن أمر المؤمن كله خير، إلاّ أننا نعجز أحياناً عن رؤية عواقب الأمور، فالابتلاءات قد تكون طريقنا للجنة إن صبرنا واحتسبنا.
 
هل نحن أعزّ على الله من حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يسلم من الهموم وهو سيّد البشريّة؟ ألم يُكتب عليه اليتم وليداً فما رأت عيناه الشريفتان أبيه قط؟ ثم ماتت أمه وهو في سن صغيرة، لا أحسبه كان مستعدّاً لهذا الفقد المؤلم، أيّ وجع سكن صدره الشريف وهو يدفن أبناءه صغاراً؟ أي حزن هجم عليه حين مات عمه وناصره وهو لم يتمكن حتى أن يقنعه بتلفظ كلمة يحاج له بها عند الله؟ وفي العام ذاته اختفت من حياته تلك التي زملته وهو يرجف رعباً وآمنت به حين كذبه الناس، لسنا أعز على الله منه صلى الله عليه وآله وسلم.
 
لا تقل "لماذا أنا" تحسّراً على مافاتك من دنيا زائلة فاتك فيها قبل ذلك لقاء الحبيب، إن دنيا تخلو من أنفاسه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالزهد بما فيها، قال أبو العتاهية:
اصبر لكل مصيبة وتجلدِ     واعلم بأن المرء غير مخلدِ
أو ما ترى أن المصائب جمةً؟     وترى المَنية للعباد بمرصدِ؟
من لم يصب ممن ترى بمصيبةٍ؟     هذا سبيل لست عنه بأوحدِ
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها      فاذكر مصابك بالنبي محمدِ
 
جريدة الراية القطرية - الاثنين 25/2/2013 م

هناك تعليق واحد:

  1. كلمات واقعية وعذبة تلامس الإحساس .. سلمتِ

    ردحذف