الاثنين، 30 يناير 2012

أنت أقوى من الظروف

رغم أن الكثير منّا يشعر أن ظروف الحياة أقوى منه، إلا أن الكثيرين في المقابل أثبتوا أنهم أقوى من الظروف، هم موجودون حولنا بكثرة ولكننا قد نغفل عن تقدير إنجازاتهم الشخصية في زحمة الحياة، أتحدث بالتحديد عن الأبطال الذين نراهم بيننا بشكل يومي؛ وليس عن النماذج التي قد يعتبرها البعض خارقة للعادة أو بعيدة المنال، رغم أنها قد لاتكون كذلك أبداً.

- عندما تتمكن من المذاكرة رغم سوء أوضاعك الصحية أو العائلية أو المادية وغيرها، وتنجح في الامتحانات التي رسب فيها غيرك، بل وربما تتفوق فيها... فأنت أقوى من الظروف!

- إذا استطعت أن ترسم على شفتيك ابتسامة واسعة، وتعامل من حولك بلطف و مرح، وتضحك على المواقف العابرة ، في الوقت الذي تصارع فيه أمواج الاكتئاب العاتية وظروفاً نفسية صعبة لسبب ما... فأنت أقوى من الظروف!

- حينما تتجرعين خيانة شريك العمر بصمت ، وتدفنين القهر في صدرك دفناً كي لايتفاقم الوضع، وتتعاملين مع ذلك الشخص بالحسنى على أمل أن يهديه الله فيتحسن الحال ويكبر الأبناء في بيئة أسرية سليمة... فأنتِ أقوى من الظروف!

- حينما تكون السجائر هي متنفسك الوحيد، وتتأصل هذه العادة فيك منذ سنوات المراهقة الأولى وحتى فترة متقدمة من العمر، وتكون محاطاً ببيئة تكثر فيها رائحة التبغ ومنظر التدخين، ثم تتمكن من اتخاذ قرار اللاعودة وتنجح فيه فتفوز بالتوبة والصحة... فأنت أقوى من الظروف!

- إذا وجدت نفسك حبيس وزن زائد، وأسير عادات غذائية سيئة تأصلت منذ طفولتك، وساكناً في مكان يحفل بمغريات الطعام والشراب، ولاأحد ممن حولك يدعم رغبتك في إنزال الوزن، ورغم كل ذلك استطعت أن تصل بنفسك إلى بر الصحة واللياقة والجسم الرشيق... فأنت أقوى من الظروف!

- إذا حافظت على مواعيد نومك واستيقاظك، وتناولت وجباتك بانتظام، و حرصت على الاهتمام بمظهرك، رغم أن حياتك قد انقلبت رأساً على عقب لمصيبة ألمت بك، لكنك آثرت إلا أن تتماسك ولاتسمح للمشكلة أن تزحف إلى أبعاد حياتك الأخرى... فأنت أقوى من الظروف!

لقد عشنا كأفراد وشعوب في وهم اسمه العجز، اقتنعنا أننا ضعفاء وأننا لانستطيع قلب الأمور لصالحنا، اعتدنا الاستسلام ولم نعد نستنكر وجوده، ولكن الحقيقة هي أننا أقوى مما نظن، الانهزامية التي نعيشها مهما اعتبرها البعض من مسلّمات الحياة إلا أنها حالة ذهنية فحسب، نحن من نفخ رب العالمين من روحه في أبيهم آدم، نحن من أكرمهم الله من فوق سبع سموات فأمر الملائكة والجن أن يسجدوا لذلك المخلوق البشري العجيب.

هذه دعوة لكل ذي موهبة أن يساهم في نشر ثقافة القوة ونبذ ثقافة الضعف التي ألقمتنا إياها وسائل الإعلام المختلفة وأورثناها بدورنا إلى الأجيال القادمة، ولكن ذلك لايعني عدم وجود نماذج مضيئة تستحق الإشادة، ومنها المثال القطري المميز الشاعر عبدالرحيم الصديقي في قصيدته "ما بَنكسر صابر" التي اشتهرت مُغنّاة وفات البعض معرفة من وراءها..

ما بَنكسر صابر.. لو فرصتي تمضي
والحظ لو عاثر : بَصنع أنا حظي!
لو تنثر أحلامي : بَرجع أرتبها!
ولو تصعب أيامي : بَعيش ومَحسبها!
يا مسهل الدنيا .. (مهما تعاندنا)
عادي..عادي التعب عادي! والحزن هو مِلحه
ولو ما الحزن بادي : مانفهم الفرحة





جريدة الراية - الإثنين30/1/2012

الاثنين، 23 يناير 2012

ليس رقصاً على الجراح!

استوقفتني تغريدة للشاعر فهد المساعد عبر صفحته المميزة في تويتر (والتي يتابعها يومياً أكثر من 71 ألف مشترك) يقول فيها: "هناك مقولة منتشرة أنا ضدها تماماً، تقول : يوجد من هو أشقى منك دائماً، فابتسم" و يصفها المساعد أنها "ابتسامة أنانية تلك التي مصدرها الوحيد شقاء الآخرين". 
 
 
ورداً على ماقاله المساعد فأنا أختلف معه جزئياً وأرى أن البشرية ليست بهذا السوء، فالسواد الأعظم من البشر مازالوا على الفطرة ولايرقصون على الجراح، ربما فشل قائل تلك المقولة في صياغتها فحسب ولم يقصد الابتسامة بمعناها الحرفي، حيث إن ديننا يدعونا إلى حمد الله على معافاتنا مما ابتلا به غيرنا، ومن الأمثلة على ذلك زوار القبور الذين يترددون على المقابر لتقدير نعمة الحياة وأخذ العبرة لا للشماتة في الموتى مثلاً، وكثير من الناس يزور المستشفيات رحمة بمن فيها وكي يقدّر قيمة الصحة كذلك.

إننا نحتاج في بعض الأحيان أن ننظر لمن هم أقل منا حظاً كي نعرف قيمة مانحن فيه بالمقارنة، هي دعوة لمراجعة النفس ومواجهتها بتقصيرها في حمد الله على نعمه، وليست دعوة للأنانية، ولكن ذلك لايعني أن كلام المساعد ليس صحيحاً ، فالبعض حاد عن الطريق دون قصد، قد تزرع الأم التحجّر في قلوب أبنائها إن قالت لهم "كلوا ففي إفريقيا من يموت جوعاً الآن!" وقد تربي ابنتها على حب الذات واحتقار الآخرين إن زيّنتها لحضور مناسبة ما بنيّة إثارة غيرة من هن أقل منها جمالاً، وقد ينتشي الرشيق عندما يغبطه من ابتلي بالسمنة، بل ويتعمد إحراجه وجرحه بدل أن يحمد الله على ما آتاه من الصحة ويدعو لغيره بالمعافاة.

ذكرتني مقولة المساعد بأنشودة انجليزية للمنشد الإماراتي أحمد بوخاطر اسمها إغفر لي "Forgive me" أرى إنها توضح تماماً مايجب أن تكون عليه ردة الفعل الإنسانية في هذه المواقف، الأنشودة باختصار عبارة عن قصة شخص يتجول في مدينة ويلتقي بأشخاصٍ ابتلوا بإعاقات مختلفة ولكنهم يبتسمون للحياة فيتذكر نعم الله عليه ويندم على تذمره وهو الذي يملك ما لا يملكون، بحثت عن تصوير الأنشودة في موقع اليوتيوب المختص بمقاطع الفيديو واستوقفتني تعليقات الناس عليها، رغم إبحاري المتواصل في بحر اليوتيوب إلا أنني لم أر قط مقطعاً أعجب كل من رد عليه رغم أن صاحبه لم يفعّل خاصية الموافقة على التعليق قبل نشره، استوقفني التنوع في المشاهدين عرباً وأعاجم، مسلمين ومسيحيين ويهودا وغيرهم ، كثير من الردود تحدثت عن الدموع التي نزلت تأثراً بالمقطع وندماً على تذمرهم في الماضي، شعرت بعظمة دين الفطرة الذي زرع فينا هذه الروح الإنسانية السمحاء، و من الردود (بعد الترجمة) :
  
"هذا النشيد يجب أن يجعلنا جميعاً نفكر كم من المرات تذمرنا على لاشيء ونسينا أن نحمد الله على ما أعطانا من حياة وصحة، لقد دمعت عيناي، سامحني عندما أتذمر يا الله!" 
"لقد اعتنقت الإسلام، أتعلمون لماذا؟ لأن أشخاصاً مثل أحمد ألهموني!"
"إن هذا رائع! قد لاأكون مسلماً إذ أنني يهودي … وأدعو الله أن يسامحني عندما أتذمر!"  
"هذا الفيديو حزين جداً، يذكرني كيف أننا كبشر نصبح أحياناً جاحدين لخالقنا، اللهم اغفر لنا جميعاً.. آمين" 
"أحسنت عملاً يا أخي العربي! أنا مسيحي وأحب هذه الأغنية!"
 
 
وإحقاقاً للحق فإن صاحب نظرية "الابتسامة الأنانية" ذو شاعرية فذة، وهذا حال ذوي الإحساس العالي من البشر لايملكون إلا أن يتألموا لعذابات الآخرين، قد يكون صوت الرحمة لديهم أعلى من صوت العبرة، ذكرني كلامه بقريبتي التي كانت بحاجة لعملية زراعة أعضاء، كانت تقضي أيامها في انتظار متبرع وتسوء حالتها الصحية مع مرور الوقت، همست لي وهي على فراش المرض قائلةً: "أتعلمين أنني أخجل من نفسي أن أنتظر شخصاً كي يموت فأحصل على أحد أعضائه" ، ما أجمل القلب الذي يخجل من أن يفرح لموت أحدهم حتى لو جعل الله ذلك الموت سبباً في حياته!

جريدةالراية-الإثنين23/1/2012

الاثنين، 16 يناير 2012

كيف تُفسِد سعادتك

ما أكثر وصفات السعادة، وكنوع من التغيير حاولت ابتكار وصفة سهلة للتعاسة تتكون من ست مهارات في النكد، هو مقال عما لا يجب فعله، ربما إذا رأينا الأمور بالمقلوب نستطيع إصلاحها بفاعلية أكثر.

1- استرجع أحزان الماضي: ارجع بذاكرتك إلى الوراء.. إلى الطفولة.. إلى المراهقة.. إلى الجامعة التي لم تقبل بك.. إلى الوظيفة التي لم تكتب لك.. إلى المرأة التي لم تتزوجها.. إلى خلافات سنوات الزواج الأولى، وإلى كل ما فشلت فيه، ذكّر نفسك باستمرار بكل الأحزان التي مررت بها، عدّد لنفسك كل كلمة جارحة سمعتها وكل تصرف ظالم ارتكب في حقك، انبش قبور الموتى، ابحث عن أي مادة فنية حزينة واستمع لها أو شاهدها مراراً، أحي الماضي في داخلك كأنه لم ينتهِ.

2- توقع حدوث الأسوأ: ارسم في مخيلتك سيناريوهات حية لأحداث مؤسفة وتوقع حدوثها، كلما شعرت بالسعادة لرفقة أحد ذكّر نفسك أنكما لابد ستفترقان يوماً وستُفاجأ بأن الفرح قد تقلص كثيراً، تخيّل موت الأحباب بطرق تراجيدية مؤلمة، ترقب الأنفلونزا مع كل نسمة باردة عليلة، وانتظر الأخبار المفجعة بعد كل جلسة ضحك!

3- تحسّر على كل شيء: عنّف نفسك باستمرار على ما فعلته أو ما كان ينبغي أن تفعله، استنزف صحتك النفسية في الندم على الأمور اليومية البسيطة، كدعوة العشاء التي لم تلبها أو الوجبة التي لم تطلبها من قائمة الطعام، تحسّر على ارتدائك قميصاً بدل آخر، واجلد ذاتك بسبب اختيارك شراء سيارة بدل أخرى، وكي تتقن مهارة التحسر أكثِر من استخدام مفردات مثل: لو، ليت، للأسف، خسارة.

4- ابحث عن السلبيات وضخّمها: مثال ذلك أن تقوم كلما سافرت إلى بلد جميل بالتركيزعلى سلبيات الطائرة والفندق وكل التفاصيل الصغيرة التي لا تعجبك، إياك أن تتجاهلها بل ضعها تحت المجهر وتحدث عنها حتى بعد عودتك، لا تخبرهم عن جمال الطبيعة ولا عن روعة الجو ولا عن عراقة المدينة، أخبرهم عن بعد غرفتك عن المصعد، وعن الوجبة الباردة التي قدمت لك، وعن الحذاء الذي آذى رجلك.

5- أوهم نفسك بالسوء: دائماً انظر للأمور من زاوية سلبية، أوهم نفسك أن شكلك غير جميل وأن كل شيء ضدك وأنك لا تستحق الخير، رسّخ في داخلك فكرة أنك سيء الحظ وأخبر الآخرين بذلك كي تترسخ هذه القناعة أكثر في ذهنك، كن أنت سبب خسارة فريق الكرة الذي تشجعه إن تواجدت في الملعب، وكن أنت سبب انقطاع الكهرباء، استخدم كلمات تؤكد لك سوء حالتك مثل: أنا منحوس، أشعر بالملل، بالضيق، أنا مكتئب.. وغيرها، ولا تنس أن تتأفف بعمق.

6- تجنّب التنظيم: أجّل المهام واجعلها تتراكم حولك وفي داخلك، ثم اهرب منها ودعها تلاحقك، أفسد جدول يومك بالسهر الدائم ونم نهاراً بشكل مستمر حتى تصرخ ساعتك البيولوجية طالبة الرحمة ثم أسكتها بالانغماس في الأكل، دخّن وأهمل صحتك، وستتفاجأ بكمية التعاسة التي ستشعر بها بعد ذلك.

ورغم أن هذه الوصفة قد سلطت الضوء على عوامل أراها مؤثرة نفسياً وجسمانياً؛ إلا أن العوامل الروحانية تظل هي صاحبة الأثر الأبلغ بلاشك،هي تلك الأسباب التي يعرفها جميع المسلمين من إضاعة الصلاة وهجر القرآن وارتكاب المعاصي.


خلاصة القول أن البعض قد يستغرب من الضيق الذي يشعر به ويجهل مصدره، لكن ربما لو راقب الإنسان سلوكه اليومي بتمعن لوجد أن الغرابة تكمن فيما لو شعر بالسعادة رغم كل ذلك، لا يلزمنا أحياناً أن نفعل الكثير كي نسعد فالحل أحياناً أبسط مما نتخيل، ولعل بساطة الأمر تتجلى في قول الشاعر:

إيه انا المسرور لو مالي حبيب..اكتشفت ان الكلام أحيان يَفرِق !
كنت أقول: الشمس لو تشرق تغيب.. وصرت أقول: الشمس لو غابت بتشرق

جريدة الراية -  الإثنين16/1/2012 م
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=617414&version=1&template_id=168&parent_id=167

الاثنين، 9 يناير 2012

لا تنتظر شيئاً من أحد

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "ماحك ظهرك مثل ظفرك .. فتول أنت جميع أمرك"، إن في الاستغناء عن الآخرين قوة يعرفها من جرب ضعف الاعتماد عليهم، ما أجمل أن يقرر الإنسان أن لا يحتاج لغيره، أي فكرة أكثر تحرراً من أنه لن يقبل دور الضحية بعد اليوم؟ لن يلوم إلا نفسه ولن ينتظر شيئاً من أحد.

علمتني الحياة أن الاعتماد على الذات يختصر على الإنسان مراحل مريرة من القهر وصفعات متتالية مؤلمة من خيبات الأمل، الاعتماد على الذات يكشف لك أن الحياة قد تتجرأ فتصبح أسهل وأجمل بدون مساعدتهم، وأنك قد تستطيع خَلق جنة في صدرك لايعلم بها غيرك، جنة اسمها الإنجاز.

مهما كانت إنجازاتنا الخاصة صغيرة إلا أنها تمنحنا لذة الاستقلالية، ذلك التحرر من قيود اخترعناها ثم آمنا بها! فلم نعد نرى سبيلاً لتحقيق رغباتنا إلا من خلالها، قد ينتظر أحدهم من جهة عمله توفير أشياء لمصلحة العمل، فتتلف أعصابه في انتظار الموافقة على طلبه، رغم أنه كان يستطيع شراء بعض الأمور التي طلبها من جيبه الخاص، ليس تفضلاً منه ولكن لأنه ينأى بنفسه من ضياع وقته في الانتظار ولوم الآخرين وإن قصّروا، لماذا ننتظر منهم إصلاح أخطائهم (أو أخطائنا) في الوقت الذي نمتلك فيه القوة المادية أو المعنوية لجعل الأمور تسير بشكل أكثر سلاسة وسرعة، لماذا نمنحهم سُلطة كان باستطاعتنا أن نجعلها في أيدينا فنتحرر من قيودهم؟

أنا من أنصار جعل الاستعانة بالآخرين مهما بلغ قربهم منّا في حدها الأدنى، نضطر لها اضطراراً وتكون بقدر الحاجة الملحّة فحسب، فمهما بلغ قربك من الآخر إلا أنه في النهاية ليس أنت، الناس قد يتغيرون فينشغلون أو يملّون، وإن لم تتمكن من حب نفسك للدرجة التي تجعلك حريصاً على تسيير أمورك فلا تنتظر من الآخرين أن يحرصوا عليك بقدر ماكنت ستحرص على مصلحة نفسك.

دعني أختصر عليك مراحل من الألم وأخبرك أنك مالم تكن وليداً تقوم أمه على رعايته فلن تجد من يتولى أمورك بالإتقان الذي كان ينبغي أن يكون نابعاً منك، اعلم أنهم سيتخلون عنك متى ما تخليت عن نفسك؛ حتى لو كنت منشغلاً عن نفسك بإسعادهم، أنظر حولك جيداً وستجد أن الكثيرين ممن تخلوا عن أنفسهم في زحمة الحياة لم يجدوا من يتمسك بهم فيما بعد.

إنك حينما تمنح شخصاً ليس أنت صلاحية القيام على أمورك فإنك لا تستطيع أن تجبره على الأمر، بمعنى أن لديه حرية عدم التنفيذ (حتى وإن كان ذلك ضمن مسؤولياته)، وبالتالي فإنك تكون قد منحته القدرة على تدمير حياتك إن أراد أو بغير قصد، ثم إن لكل شخص حياته الخاصة وليس من الحكمة أن تسلمهم مفاتيح حياتك حتى لو طلبوها، بل وحتى إن كانت مفاتيح حياتهم في يديك؛ فإن كنت أميناً عليها فهذا لايعني أنهم سيعاملوك بالمثل، اعلم أنهم قد يسيئوا استخدام السلطة التي منحتها لهم ويُمعِنوا في الإساءة فيقفلوا أبوابك في وجهك بمفاتيحك الثمينة التي أَرخَصتها كثيراً حين ائتمنت غيرك عليها طواعية.

هل منّا من يمتلك الشجاعة فيعترف بخطئه وتقصيره في حق نفسه، ويستطيع أن يخلص نفسه من قيود أفضاله عليهم؟ من منّا يتجرأ فيسامحهم ويعفيهم من مسؤولية سعادته ليتحملها بنفسه؟ فلتكن أباً يعقّه ابنه أو زوجاً تخذله زوجته أوموظفاً يظلمه مديره وقرر أن تبعدهم عن حساباتك قليلاً لتحرر نفسك من القهر وتدير وحدك دفة الأمورهذه المرة، إن العمر يمضي والكثيرون محطات قد لاتستحق أن نتوقف عندها كثيراً، فليتواجدوا في حياتنا بأجسادهم، ولتنشغل عقولنا بحرصنا على أن لا نسمح لهم أو لغيرهم بأن يتفضلوا علينا بما نستطيع أن نوفره لأنفسنا بأنفسنا، دون أن ننتظر شيئاً من أحد.

عائشة العمران

جريدة الراية - الإثنين9/1/2012 م
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=615681&version=1&template_id=168&parent_id=167

   

الأحد، 1 يناير 2012

فن الاستعداد للموت

كثيراً ماتستهويني الكتب والأفلام الأجنبية التي تتحدث عن أشخاص قيل لهم بأن أيامهم معدودة بعد تشخيصهم بأمراض ميؤوس من علاجها طبياً، العمر بيد الله وحده بلاشك؛ ولكن مايشدني في هذه القصص هو تغير نظرة الأشخاص للحياة، حيث يصلون لنوع من الرضوخ للواقع ويبدأون بالتصرف على أساس هذا التقبّل في استغلال الوقت وتصفية الحسابات العالقة، يصبح البعض أكثر إيجابية فيرون الجمال كما لم يروه من قبل، تصغر في أعينهم مشاكل الحياة اليومية بل وربما يفتتنون بوجودها كجزء من الحياة النابضة، أرى في مثل هذه القصص تذكيراً لي شخصياً بعمق نظرة المودع للحياة وكلنا مودعون لها،وبيدنا أن نرتقي بتفكيرنا لندرك لب الأشياء لا القشور الفانية.

لاأتحدث هنا عن الاستعداد للموت بالعبادات المختلفة فالكل على بينة من ذلك، ولكن أقصد الاستعداد بمعناه النفسي، ومما رسخ في ذاكرتي بهذا الخصوص فيلم اسمه (العطلة الأخيرة) تدور قصته حول موظفة مبيعات خجولة تم اكتشاف إصابتها بمرض خطير قيل لها إن حياتها على إثره أصبحت مجرد أيام معدودة، الشاهد أنها قررت أن تستمتع بحياتها فلا تضيّع الوقت في المجاملات والمقدمات بل ستصدح بقول الحقيقة في ذكر أي ظلم واقع دون أن تخشى في الحق لومة لائم ، في آخر القصة كشف الفيلم عن تحول لافت في أحداثها حيث إن تشخيص إصابتها بالمرض الخطير كان خاطئاً، لتعود بعدها للحياة مستفيدة من الخبرة التي أكسبها إياها الإقدام في تحقيق الأمنيات، وبدأت تجارتها الخاصة لتعمل في أمر تحبه بدل أن يضيع العمر في التعاسة التي كانت تعيشها في وظيفتها السابقة تحت رحمة مدير متسلط.

ومن الأمثلة على المواد الأدبية المميزة بهذا الخصوص كتاب (المحاضرة الأخيرة) لراندي بوتش الأستاذ بجامعة كارنيجي ميلون والذي تحدث فيه عن إعداده لمحاضرته الأخيرة التي ألقاها بعد إصابته بسرطان البنكرياس (ثم مات بعدها بفترة قصيرة عن عمر 47 عاما) ، تم تصوير هذه المحاضرة ونشرتها وسائل الإعلام المتعددة فكان لها صدى واسع و أحدثت ضجة إعلامية كبيرة ؛ ذكرني كلامه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لايقوم حتى يغرسها فليفعل) رواه أحمد، محاضرته الأخيرة تحدثت عن روعة تحقيق أحلام الطفولة، قدم الكثير من النصائح القيمة لمن أراد النجاح في حياته وعلاقاته، لقد حرص بحق على الاستمرار في العطاء حتى آخر لحظة ، لم يبد ساخطاً ولا حزيناً وإنما جسد الرضا بالقدر في أسمى صوره وهو الذي مات على غير الإسلام.

ولأن الله سبحانه قد حجب عنا توقيت النهاية ؛ فإن ما انطبق على من سبق ذكرهم له أن ينطبق من باب أولى علينا نحن المؤمنين بكتابه لأننا نعلم أن الغيب بيد الله وحده ونعلم أن ساعة الموت قد كُتبت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الخلائق بخمسين ألف سنة.

وبالإمكان تطبيق فكرة التأهب لمغادرة الحياة على حياتنا اليومية بكل أبعادها، إن كان ثمة أمراً لن تفعله إن كنت على وشك الموت فإن من الأحرى أن لاتفعله بتاتاً، فالرسالة النصية التي لن ترسلها إن كنت تعلم أنها قد تكون رسالتك الأخيرة في هواتفهم النقالة لاترسلها، والمكان الذي لن تذهب له إن اعتبر موتك أثناء الذهاب له سوءاً في الخاتمة فلاتذهب له، ولأن الآخرين كذلك قد يرحلوا في أي لحظة، فهم كذلك تنطبق عليهم هذه النظرية، لطالما قالت لي أمي كلما شكوت لها شخصاً أزعجني في المدرسة : "تخيلي لو أنك ذهبت للمدرسة في اليوم التالي وقيل لك أنه مات، ألن تشعري بالسوء لأنك لم تحسني معاملته في آخر يوم له؟".

هل يجب أن نتأخر في إدراك كل تلك الأمور حتى نموت أو يموتوا؟
لا.
جريدة الراية - الإثنين2/1/2012
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=614045&version=1&template_id=168&parent_id=167