الاثنين، 27 فبراير 2012

من يضحك أخيراً .. قد لا يضحك كثيراً!!

صحيح أننا لا نختار أقدارنا؛ ولكن أقدارنا ليست هي قصصنا في نهاية المطاف، فما يحدث لنا فعلياً هو ردود أفعالنا على ما حدث لنا، نحن من نختار كيف سنتصرف في مواجهة ما تجود به الحياة علينا، نحن من نختار أن نقتنص فرص الفرح الصغيرة لنتنفسه بعمق ونملأ رئاتنا به أو نؤجل السعادة في انتظار تحسّن الظروف، فننتظر التخرج أو الوظيفة أو المادة أو الزواج أو الأبناء، ثم ننتظر أن يكبروا أو ننتظر وقت التقاعد وغير ذلك، ونظل ننتظر وننتظر تلك الحياة المثالية كي نأذن لأنفسنا بالشعور بالسعادة أخيراً، وقد لاتأتي تلك الفرصة أبداً فالهموم لن تنته، ثم نُفاجَأ بأن أجمل سنوات العمر قد انزلقت من بين أصابعنا في زحمة الحياة، إن من يضحك أخيراً قد لا يسعه العمر أن يضحك كثيراً، قد يضحك متأخراً بعد أن فقد الضحك قيمته ولم يعد يرغب فيه.

بيدنا أن نحوّل المرض الخطير إلى فرصة لتوعية الآخرين بالوقاية أو نستسلم له وننتظر الموت، بيدنا أن نستغل اللحظات التي نشعر فيها بتحسّن فنفعل شيئاً ممتعاً مع العائلة لنرفع رصيد الذكريات الجميلة، أو ربما نقضي ذلك الوقت في التفكير المرير عما سيؤول إليه حالنا ما إن يعاود الألم الهجوم، وقد نؤجل الفرح حتى يتم الشفاء الذي ليس بأيدينا، وبذلك نفقد السيطرة على حياتنا حيث جعلنا السعادة أمراً معلقاً على أمر غيبي لا يد لنا فيه.

الحياة في نظري قصة لا تهم نهايتها ولكن نجاحها يُقاس بالكيفية التي اختار الفرد أن يعيشها بها، ليست النهايات المؤسفة فشلاً فالعبرة ليست بالنهاية، العبرة كما أراها هي بامتناننا لما فعلناه حتى وصلنا إلى قدرنا في هذه الحياة، فإن كنّا من المقاتلين الذين استطاعوا الوقوف في كل مرة يقعون فيها فنحن لدينا ما نفتخر به وعلينا أن لا نبخس أنفسنا حقها من الرضا والسلام، أنت لاتُلام إن طرحتك الحياة أرضاً ثم لم تتمكن من معاودة الوقوف إن كانت لحظة الراحة قد آنت، لابأس إن لم نضحك أخيراً مادمنا قد ضحكنا في السابق كثيراً، ولكن العار كل العار أن تنحدر أكثر في السقوط وأنت مازلت حياً.

إلى كل من طرحته الحياة أرضاً، قف وانفض عنك غبار الاستسلام، ارفع رأسك واضحك كلما حانت الفرصة فقد لا تكون الضحكة الأخيرة تستحق كل ذلك الانتظار، بل قد تكون كشربة الماء في خيال شخص عطِش فتكون ألذ في الخيال من الواقع، ثم إنها قد لا تكون من نصيبك ولا بأس من ذلك، ثق أنها في الواقع لا تختلف كثيراً عن باقي الضحكات التي نضحكها خلال الدرب.

جريدة الراية - الإثنين27/2/2012

الاثنين، 20 فبراير 2012

هل تتسول الحب؟

هل تلاحق صديقك بالاتصالات ومسجات العتب إن لم يرد عليك؟ هل تلح على شريك الحياة كي يهتم بك؟ هل تلوم أحد والديك إن شعرت أنه لا يحبك بقدر حبه لأخيك؟ هل تشعر بالقهر لأنك تعطي من المشاعر أكثر بكثير مما يُعطى لك؟ إن كنت كذلك فأنت بكل أسف .. تتسوّل الحب!.

أنت تستحق الحب ولكن ليس من شخص بعينه، وفي كل الأحوال أحِبّ نفسك إن لم ير الآخرون مدى روعتك، دعهم يقدموا لك من المشاعر ما تجود به أنفسهم لا ما أرغمتهم عليه، فالحب لايأتي أمراً، وإن طلبناه بشكل مباشر فإنه يأتي مصطنعاً وباهتاً، يأتي لإسكاتنا فحسب، يكون أكثر إيلاماً من عدمه.

انشغل بأمورك الخاصة كما انشغلوا عنك بأمورهم أو بغيرك، وكن على ثقة أن من يُرِد قربك لن تمنعه المشاغل من التواصل معك بشكل أو بآخر، تواصل مع الآخرين بود وسلاسة فالعتب المستمر هو صورة من صور فرض الذات على الآخرين، ولا أحد يستحق أن يضع نفسه في ذلك الموقف المهين.

على الجانب الآخر، هناك دائماً شخص يحبك وينتظر منك ما تنتظره أنت من الآخرين، قد يكون انشغالك بتقصيرهم قد شغلك عنه، ربما ذلك الشخص هو أمٌّ تفرح بطلتك عليها فرحاً تترجمه الدعوات التي يلهج بها لسانها كلما رأتك أو سمعت صوتك، ربما هو صديق الطفولة الذي يتصل بك كل فترة ولاتبادر أنت بالاتصال به، قد يكون ذلك الشخص جارك الذي يبتهج ويلوّح لك كلما صادفك في الطريق ويبحث عنك بين الصفوف كي يصلي بجانبك كلما اجتمعتما في المسجد ويستغل الوقت القصير بعد التسليم ليسأل عن أحوالك باهتمام، ربما هو الخادمة التي كَبرتَ أمام عينيها وتراك الآن منشغلاً بكل شيء بعد أن كانت في أحد الأيام قريبة جداً منك، تنظر إليك بفخر وقد تجاوزتها طولاً وتشعر بأن لها بعض الفضل في ما أنت عليه اليوم، ولكن الواقع أن طعامها لم يعد يعجبك مهما حاولت التودد إليك به، بل ربما تضحك على بساطتها إن بكت على فراقك عند سفرها لتر أهلها، وربما عادت من السفر فلم تجد منك ترحيباً أو فرحاً بهداياها البسيطة.

كل أولئك الذين يتوددون لك في الوقت الذي تمارس عليهم الإرهاب الاجتماعي الذي يمارسه غيرك عليك لن تحمل قلوبهم غلاً عليك لأنهم يحبونك حقاً، ومتى ما عدت لهم ستجد أذرعهم مفتوحة ملء الدنيا فرحاً بقدومك، كفرحتك بمن تتسوّل منهم الحب لو قرروا يوماً أن يعاملوك بالمثل، كلّما أَهملت من يحبك وتناسيت وجوده في زحمة الحياة تَذَكَّر أن من تتسوّل منهم الحب ينسونك كذلك في زحمة حياتهم.

جريدة الراية - الإثنين20/2/2012



الاثنين، 13 فبراير 2012

متى أَعلنتَ وفاتك؟

البعض انتهى عمره قبل موته الفعلي بكثير، هي تلك اللحظة التي توقفت فيها حياته عن التطور وربما بدأ يتجه إلى الوراء، هي اللحظة التي حكم فيها على طموحه بالموت بسبب خيبة أمل كبيرة ألمت به، توقف الزمن لديه عند حدثٍ ما وظل عالقاً في تلك المرحلة الزمنية ومتمسكاً بحلم لم يكتب له تحقيقه فأبى أن يرضى بغيره، كلاعب كرة القدم الذي رسم لنفسه مستقبلاً باهراً في الاحتراف ولكن الحياة فاجأته بإصابة مزمنة وهو في بداياته فانتهى به المقام متحسراً على الشهرة التي لم يحظَ بها، وانتهت إنجازاته عند ذلك الحد ولم يعد يتعرف على نفسه إن لم يُشِر لها بكونه لاعب كرة، فأصبح في نظر نفسه نكرة يخجل حتى من الإشارة لها أمام الآخرين.. لقد أعلن وفاته يوم إصابته.

وممن توقفت لديهم الحياة من فجعوا بموت حبيب، لم يعينوا أنفسهم على تضميد الجراح ولكنهم أمعنوا في تعذيب أنفسهم بالحزن الشديد وربما لم يدعوا للميت بقدر ما تحدثوا عنه، نسوا أن الحبيب قد انتقل إلى رب رحيم وأنه يشتاق الآن للدعاء فحسب، تناسوا أن بينهم من الأحياء أحبة بحاجة لهم الآن، فكما مات حبيبهم فإنهم ماتوا في أعين أحبتهم موتاً أشد، ماتوا بإرادتهم، ابتعدوا مخيّرين، وهذا أشد إيلاماً فهم اختاروا الفراق الذي لم يختره الراحلون بالموت.. لقد أعلنوا وفاتهم يوم موت حبيب.

وآخر توقفت حياته بعد فشله من الزواج من امرأة ما، فرفض الاستسلام للواقع وظل يندب حظه ويفرغ غضبه في من حوله، ربما رسم لها في خياله صورة مثالية ورفض التنازل عنها رغم أنها قد لا تختلف في النهاية عن باقي النساء ولكنها في نظره القاصر تستحق أن تنتهي الحياة بسبب فقدانها، حرم نفسه من التنعّم في حياته وهي مع رجل آخر في الوقت الذي قد لا يكون فيه الرجل الآخر محظوظاً بها حقاً.. لقد أعلن وفاته يوم زواجها من غيره.

قد يبدو الكلام قاسياً بعض الشيء، فخيبة الأمل مريرة ويصعب تجاهلها، يصعب تصديق أن ذلك الشخص لن يلعب الكرة بعد اليوم، وأن الآخر لن يرى عزيزه الراحل مرة أخرى في الدنيا، وأن المرأة التي أراد الزواج بها أصبحت من نصيب رجل آخر، ولكن مهما كان السبب الذي أوقف الإنسان حياته بسببه إلا أن الحياة تظل أعمق من كل الأسباب، لم يكن رمي النبي يوسف عليه السلام في البئر نهاية المطاف، ولم يكن بيعه بثمن بخس حكماً بالبؤس، ليس اتهامه بالخيانة نهاية الحياة ولا سجنه سنين طوالاً يعد فشلاً، لم يمنعه كل ذلك من الاستمرار في تحقيق الإنجازات ومحاولات الإصلاح حتى وهو في السجن بتأويل الرؤى، لم يدمره الظلم بل خرج من بين القضبان إلى معترك الحياة بعزم ليشغل منصباً مرموقاً دون أن يحرمه بؤس الماضي من سعادة الحاضر أو أمل المستقبل في التبرئة من الاتهام والاجتماع بالأهل.

مهما كان سبب تعاسة الإنسان إلا أن الحياة أغنى من أن تتمحور حول شخص أو حدث لأنها لا تثبت على حال، ومن ظلم الإنسان لنفسه أن ينهيها بيده فيتوقف الزمن ولا يَعدو العمر الثمين عن كونه وريقات يقتطعها من الرزنامة وشيباً يفاجأ به أمام المرآة، تأمل في جسدك وستراه يدعوك للعودة للحياة مهما تقدم بك السن، فالأنفاس التي يلفظها صدرك تعني أن رئتيك لم تستسلما بعد، سيمفونية النبضات التي يعزفها قلبك تؤكد لك أنه يريد أن يعيش، لبِّ دعوات الحياة ولا تغلق نافذة روحك ما لم يستسلم جسدك.


جريدة الراية - الإثنين13/2/2012

الأحد، 5 فبراير 2012

عندما يخطئ الملاك

أعرف امرأة حديثة العهد بالأمومة، وعند موعد ثاني استحمام لطفلتها في إحدى ليالي الشتاء الباردة جعلتها تستلقي على قطعة من الإسفنج صممت خصيصاً لاستحمام حديثي الولادة، فوجئت بابنتها تصرخ وتبكي بشدة ولم تعرف السبب، ثم اكتشفت أن الإسفنج به ماء منذ الاستحمام السابق، ونظراً لبرودة الجو فقد كان الماء بارداً جداً، ورغم أن الأمر انتهى عند هذا الحد ولم يصب الطفلة أي أذى، إلا أن الأم ظلت تجلد ذاتها على تلك الحادثة وتتهم نفسها مراراً بالغباء وبأنها أم سيئة، قد يبدو الأمر بسيطاً في أعين الآخرين إلا أنه في نظرها لم يكن كذلك أبداً؛ حيث رسمت لنفسها صورة الأم المثالية التي لم تكن لترتكب مثل هذا الخطأ التافه الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تداعيات جسيمة لولا رحمة الله، جعلها هذا الموقف تشك في قدراتها كثيراً وتستسلم أكثر للمشاعر السلبية فأدخلت نفسها في دوامة من الاكتئاب.

في حياة كل منا أخطاء ارتكبها ويخجل منها، قد تكون صغيرة أو كبيرة، كثيرة أو قليلة، هي تلك الأمور الغبية التي ندمنا على ارتكابها وجَلَدنا ذواتنا عليها مراراً، هي تلك الأمور التي تقض مضاجعنا ليلاً ثم نصحو لنحملها على أكتافنا كل صباح لنعود ليلاً للمبيت وهي جاثمة على صدورنا.

الخطأ وارد، نحن نخطئ كثيراً في تربية الأبناء، في تعاملاتنا مع من حولنا، في القرارات اليومية التي نتخذها في العمل وفي الحياة، قد نتلفظ بأمور نندم عليها فيما بعد، وقد نرتكب أموراً أكبر ونخجل من مواجهة أنفسنا بها أحياناً، وكلما كانت نظرتنا لذاتنا على قدر أكبر من المثالية كلما كان الندم أكثر عنفاً لأننا أنزلنا أنفسنا منازل الملائكة المنزهين عن الخطأ ثم فوجئنا ببشريتنا فأبينا إلا أن ننغمس أكثر في الشعور الرهيب بالذنب رغم أن الله رحيم وغفور، يمنحنا فرصاً تلو الفرص لنستغفر ونتوب، ونظل نخطئ ونعاود الكرة ويتقبل عودتنا مجدداً، ولا يمل سبحانه حتى نمل نحن!

إن الشعور بالندم شعور مزعج ولكنه إيجابي مادام في حدود المعقول، هو يعني أنك على قدر عال من الإحساس، أنك أقرب للآخرين فتشعر بمعاناتهم، في الوقت الذي يدوس فيه غيرك على عذابات الآخرين ويصعد على أكتافهم تظل أنت من يشعر بهم، لابد من توجيه هذه المشاعر إلى المنحى الإيجابي لتتعلم من أخطائك لا أن تصيّرها قضباناً تسجنك، اعتبرها دروساً ربانية في التواضع والتسامح مع الآخرين لأنها دليل حي على أنك لست بملاك أعلى من مستوى البشر، ثق أنك تعلمت منها ومن الندم عليها الكثير، وامض في حياتك.

لابد أن يسامح الإنسان نفسه على الماضي كي يستطيع الاستمرار في الحياة، سامح نفسك واعترف لها أن ماحدث كان أمراً غبياً ولكنه حدث، لقد أخطأت فأين الغريب في الموضوع؟ سامح نفسك فقد عنّفتها بما فيه الكفاية، لاتجعل من أخطائك أبواباً للشيطان يدخل منها ليقنعك أنك سيء فترتكب المزيد بهذا المبرر، أنت لست بسيء وأنت تعلم ذلك ، كل ما في الأمر أنك في لحظة ما قمت بتصرف خاطئ وأنت الآن آسف، هذا كل ما في الأمر، ولا تغتر بمثالية من حولك ففي جعبتهم الكثير من الأخطاء ولكن من ستر الله لنا أنها لا تُكتب على جباهنا وإلا لما خرج شخص من بيته.

دعني أتنبأ لك بالقادم وأخبرك أنه رغم كل ما تظن أنك تملكه الآن من حكمة؛ إلا أنك سترتكب المزيد من الأخطاء في المستقبل، وستفُاجأ بنفسك كيف ان أقدمت على أمورٍ كتلك، ولكن هذه هي الطبيعة البشرية، هكذا أراد لنا الرحمن أن نكون فلم يخلقنا ملائكة منزهين عن الخطأ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ". (صحيح مسلم)


جريدة الراية - الإثنين6/2/2012