الأحد، 25 نوفمبر 2012

هل ستندم؟

سُئِل أحد المشاهير: لو استطعت الرجوع بالزمن إلى الوراء ما الذي ستُغيِّره في حياتك؟ فأجاب بلا تردد: لن أغيِّر شيئًا، فأنا لم أندم على أي تصرّف قمت به، كل موقف مرّ بي ساهم في إيصالي إلى ما أنا عليه اليوم من نجاح.
 
أتفق معه في بعض ما قال، حيث إن كل ما نمرّ به يتحوّل مع الوقت إلى خبرات نستفيد منها، ولكني أرى أن من الغريب ألا نندم على أخطائنا البشرية، فالندم جزءٌ من التجربة لا ينبغي أن نلغيه، كيف لا نندم على أخطائها ونحن من يدفع ثمنها من أعمارنا؟
 
كما أن من لا يندم هو في الحقيقة شخص يترفّع عن ضعفه البشري، ولن يسعى فيما بعد إلى تعويض نفسه أو من حوله على تقصيره معهم أبدًا، فالندم قد يكون المحرّك الأقوى للعطاء نحو من قلّ عطاؤنا نحوهم بعذر الانشغال وغيره.
 
وتساءلت، لو عاد بي الزمن إلى الوراء أي أمور كنت سأغيّرها؟ فتذكرت الكثير، تذكرت مركز تحفيظ القرآن الذي انسحبت منه بفشل ذريع، ولو أني قاومت و لم أستسلم لضعف ذاكرتي فبذلت المزيد من الجهد لأعانني الله، ولربما كنت الآن من حفظة كتابه الكريم، وتذكرت جدي وجدتي رحمهما الله، وددت لو قضيت معهما مزيدًا من الوقت والتقطت لهما مقاطع الفيديو التي توفّر الصوت والحركة اللذين لا توفرهما الصور الفوتوغرافية التي ألمسها وأنا أتقطع شوقًا إلى سماع صوت أصحابها ورؤيتهم يتحرّكون.
 
الندم يأتي بعد أن نقوم بالفعل، بمعنى أننا قد لا نكون مُدركين لفداحة عواقبه أثناء القيام به، لأننا نأخذ الحياة وكأننا قد ضمناها في الجيب، رغم أنها قد تتبدّل أو تفلت من أيدينا في أي لحظة، يا تُرى لو كنت تعيش الآن في المستقبل، وتنظر إلى الوراء لترى وضعك اليوم، أي أمور كنت ستندم عليها مما تقوم به الآن؟
 
هل ستندم على الوقت الذي استنزفته على عملك أو أصدقائك في الوقت الذي كان فيه والداك أصحاء (أو أحياء) يتمنيان سويعات تقضيها معهما؟ هل ستندم على الشهادة الجامعية التي خسرتها لأنك اليوم مستسلم للنعاس وقت المحاضرات أو لصعوبة المواد وتوشك على ترك الدراسة؟ هل ستندم على تغذية سيئة اليوم ربما تتسبّب لك بأمراض مزمنة في المستقبل؟ هل ستندم على طفولة أبنائك التي مرّت سريعًا دون أن تقضي المزيد من الوقت في اللعب معهم واصطحابهم للأماكن الترفيهية؟
 
علام ستندم؟ وهل لديك الوقت الكافي لتدارك الأمر؟ الانشغال بتفادي ندم الغد على أخطاء اليوم هو برأيي أهم من الانشغال بندم اليوم على أخطاء الأمس.
 
جريدة الراية القطرية - الاثنين 26/11/2012 م
 

الأحد، 18 نوفمبر 2012

ألم تبن البيوت إلا على الحب؟

عاتب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً أراد أن يطلق زوجته لأنه لا يحبها فقال له "ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟"، على الجانب الآخر فإن الكثيرين يرون أن الحب..تلك المشاعر المرتبطة بكيمياء الجسم.. تلك الأحاسيس التي ينبض بها قلب متقلب وتسيرها روح ليست ملكاً لصاحبها: هو وحده المسؤول عن نجاح العلاقة من عدمه، رغم أن في الأمر مخاطرة كبيرة إذ ليس ثمة بوليصة تأمين على المشاعر.
 
إن عدم وجود الحب لا يعني الكره بالضرورة، الاحترام والثقة أمران قد يغنيان عن الحب بل يفوقانه أهمية وربما دخلا ضده في معركة يفوزان فيها بجدارة فتفشل العلاقة التي لم ينجحها الحب، ثم إن نوع الحب نفسه قد يكون سبباً في إفشال العلاقة، فليس كل حب جميلاً، هناك أنواع مشوهة من الحب تدفع بصاحبها إلى الشقاء وقصور التفكير، فكم من امرأة عشقت زوجها حتى وصلت لدرجة الغيرة الهوجاء والشك والحساسية الشديدة لأي موقف، فنفرته منها وجعلته يكره حبها له، وفي هذه الحالة عدم كفاية الحب ليست سبب إفشال العلاقة، وإنما نوع الحب هو مازعزع أركان ذلك البيت، والأمر ذاته ينطبق على الأزواج ممن وصل حبه لزوجته لدرجة التملك والشك فحرمها من كل ماسواه حتى كرهت الزواج وفقدت طعم السعادة.
 
وددت لو أن الحب هو تلك العصا السحرية التي تحل كل المشاكل، ولكن الواقع أمامي يقول إن القيم المثالية كالحب والطيبة والوضوح ليست ما ينجح العلاقة، وإنما الصفات العملية كالذكاء والحكمة والصبر والاستقلال العاطفي وغير ذلك من صفات السعداء الناجحين في علاقاتهم، تلك الصفات التي إن تمتع بها الشخص فإنه سيستطيع معالجة كل طارئ بتجرد من أحكام القلب التي كثيراً ما تكون مشوشة وغير حيادية.
 
يقال إن عمر الحب العنيف قصير، مما يؤكد على أن الحب -مهما غرتك قوته- ليس غير كاف فحسب؛ وإنما زواله وارد جداً ، المشاعر القوية الهائجة أكبر من أن تستمر، فالحب المجنون مثله مثل الكره المجنون، أكثر شدة من أن يستمر، لا تحتمله أرواحنا، وهو أولى من غيره بالفتور والاضمحلال، فلا يغرنك الحب واجعل لك في كل أمورك خط رجعة، لا تضحّ من أجل الحب بخطوط الرجعة التي أراها صمّامات أمان يصعب تعويضها كالشهادة أو الوظيفة أو علاقتك بأهلك وغير ذلك من الأمور التي تعد مضمونة أكثر من الحب ذاته، رغم أن لا شيء في هذه الحياة مضمون بنسبة 100%.
 
أوردت الكاتبة الأمريكية شون سولفو ضمن سيناريو فيلم (ماجدولين الكابتن كوروللي) المبني على الرواية الإنجليزية بذات العنوان لقصة حب تدور أحداثها وقت الحرب العالمية الثانية؛ بأنك عندما تقع في الحب، فإنه جنون مؤقت، يهجم كزلزال، وبعد ذلك يهدأ، وعليك بعد أن يهدأ أن تتخذ القرار، إما أن تجتهد في معرفة ما إذا كانت جذوركما قد أصبحت متصلة ببعضها لدرجة أنه من المستبعد أن تفترقا في يوم ما، وذلك أن هذا هو الحب.. الحب ليس حالة تسارع الأنفاس، إنه ليس تلك الإثارة، ولا تلك الرغبة الشديدة في لقاء ذلك الشخص في كل ثانية من اليوم، تلك الأمور ليست الحب وإنما هي حالة "الوقوع" في الحب ؛ الأمر الذي يستطيع أي منا إقناع نفسه بالشعور به، الحب نفسه هو بقايا تلك الحالة بعد أن تخمد نار الوقوع في الحب، لا يبدو الأمر مثيراً لتلك الدرجة، أليس كذلك؟ ولكنه كذلك.
 
هي دعوة لحقن العلاقات بجرعات من العقلانية التي لن تقلل من الرومانسية وإنما ستقلل من أضرار الاندفاع الأهوج خلف مشاعر قد تكون مؤقتة.
 
جريدة الراية القطرية -  الاثنين 19/11/2012 م

الأحد، 4 نوفمبر 2012

الغرق في الروتين

وضع رأسه على الوسادة وبدأ يسترجع ما مر به في يومه، فوجده مثل أمسه، ثم فكّر في غده، فغلب على ظنه أنه مثل يومه وأمسه، الأحداث مكررة ولا جديد، لا إثارة تذكر، لا مشاعر قوية، يتحرك كروبوت، لا تعابير في ملامحه، يذهب إلى العمل ليجد الوضع على حاله، تحية الصباح لديه أن يهمس بحرف سين طويل يرد عليه الآخرون بسين أخرى، يدخل إلى مكتبه وينتظر مرور الوقت ليعود للمنزل ويستكمل سلسلة التصرفات الروتينية.
 
لفت انتباهي مقطع من الفيلم الأمريكي sleepless in Seattle يمثل فيه توم هانكس دور رجل مكتئب ترمّل حديثاً ويحاول أن يخدّر بالروتين مشاعر الألم لفقدان زوجته فيقول: "سأنهض من سريري كل صباح لأتنفس شهيقاً وزفيراً طوال اليوم، ثم بعد فترة لن أضطر لتذكير نفسي بالنهوض من السرير كل صباح لأتنفس شهيقاً وزفيراً، ثم بعد فترة لن أجد نفسي أفكّر كيف أنني كنت أعيش حياة مثالية ورائعة في السابق"، فكما أننا نتنفس بشكل لاإرادي، فكذلك الأحداث المكررة الأخرى في حياتنا تصبح لاإرادية مع مرور الوقت كوظائف الجسم الحيوية، وما إن يدخل التصرّف في حيز الروتين نفقد القدرة الحقيقية على الاستمتاع به وتقديره، ثم بعد مدة ربما تطغى الرتابة على أنفسنا فنعجز عن الاستمتاع بالحياة وتقديرها لأننا أصبحنا حبيسي أنماط محدودة من التصرفات.
 
أن تمل من الروتين أخطر من أن تعلق فيه فلا تكاد تتعرف على حياتك دونه، الروتين لدى البعض هو الحصن الذي يجعل الأمور تبدو ظاهرياً على درجة عالية من التنظيم والاستقرار، بينما قد يكون الشخص في واقع الأمر هارباً من مواجهة واقع مؤلم و سجيناً لتصرفاته اليومية المكررة ومهدداً بالاكتئاب في أي لحظة، الحياة بلا مشاكل ليست سعيدة بالضرورة، قد تكون حياة لا حياة فيها، لاجديد فيها، لا إبداع فيها، لاإنجاز فيها.
 
المحافظة على مواعيد النوم والاستيقاظ وتناول الوجبات أمر إيجابي، ولكننا نحتاج قليلاً من التغيير في تفاصيل تلك الأحداث،كما في ديننا عبادات دائمة لا ينبغي التفريط فيها ولا يمكن تصنيفها ضمن الأمور الروتينية ؛ إلا أن الروتين يزحف إلى كل شيء دون أن نشعر، ففي الصلاة مثلاً قد نعتاد قراءة سور معينة بشكل آلي لدرجة أن لا نعي حرفاً مما قرأنا مهما حسن ترتيلنا، فما الحل؟
 
لاتستسلم للروتين، امنح نفسك قليلاً من الوقت لدراسة ماتمر به بجدية، فأنت أدرى بحقيقة وضعك، وأنت الوحيد القادر على انتشال ذاتك من متشابه الأيام، حتى لو لجأت إلى مختص أو طلبت نصيحة صديق؛ فإن قرار الاستعانة بالآخرين كان مصدره ذاتك، نحتاج أحياناً أن نرغم أنفسنا على فعل مافيه خير لنا وإن لم نمتلك مايكفي من الرغبة أو الطاقة، فصوت الحكمة موجود وإن طغا عليه صوت الخمول أو الحزن، وبقليل من الإنصات ستتمكن من الاستماع لصوتك الداخلي الجميل الذي يخبرك بما عليك فعله حقاً، قد يذكّرك بهواية هجرتها، أو ربما اقترح عليك أن تسافر مكان ما، ربما يدفعك إلى تجربة أمور جديدة لتختار منها مايناسبك فيما بعد، لعل الوقت قد آن لتغيير وظيفتك، وربما عليك التفكير في توديع العزوبية مثلاً.
 
جريدة الراية - الاثنين 5/11/2012 م