سُئِل أحد المشاهير: لو استطعت الرجوع بالزمن إلى الوراء ما الذي ستُغيِّره في حياتك؟ فأجاب بلا تردد: لن أغيِّر شيئًا، فأنا لم أندم على أي تصرّف قمت به، كل موقف مرّ بي ساهم في إيصالي إلى ما أنا عليه اليوم من نجاح.
أتفق معه في بعض ما قال، حيث إن كل ما نمرّ به يتحوّل مع الوقت إلى خبرات نستفيد منها، ولكني أرى أن من الغريب ألا نندم على أخطائنا البشرية، فالندم جزءٌ من التجربة لا ينبغي أن نلغيه، كيف لا نندم على أخطائها ونحن من يدفع ثمنها من أعمارنا؟
كما أن من لا يندم هو في الحقيقة شخص يترفّع عن ضعفه البشري، ولن يسعى فيما بعد إلى تعويض نفسه أو من حوله على تقصيره معهم أبدًا، فالندم قد يكون المحرّك الأقوى للعطاء نحو من قلّ عطاؤنا نحوهم بعذر الانشغال وغيره.
وتساءلت، لو عاد بي الزمن إلى الوراء أي أمور كنت سأغيّرها؟ فتذكرت الكثير، تذكرت مركز تحفيظ القرآن الذي انسحبت منه بفشل ذريع، ولو أني قاومت و لم أستسلم لضعف ذاكرتي فبذلت المزيد من الجهد لأعانني الله، ولربما كنت الآن من حفظة كتابه الكريم، وتذكرت جدي وجدتي رحمهما الله، وددت لو قضيت معهما مزيدًا من الوقت والتقطت لهما مقاطع الفيديو التي توفّر الصوت والحركة اللذين لا توفرهما الصور الفوتوغرافية التي ألمسها وأنا أتقطع شوقًا إلى سماع صوت أصحابها ورؤيتهم يتحرّكون.
الندم يأتي بعد أن نقوم بالفعل، بمعنى أننا قد لا نكون مُدركين لفداحة عواقبه أثناء القيام به، لأننا نأخذ الحياة وكأننا قد ضمناها في الجيب، رغم أنها قد تتبدّل أو تفلت من أيدينا في أي لحظة، يا تُرى لو كنت تعيش الآن في المستقبل، وتنظر إلى الوراء لترى وضعك اليوم، أي أمور كنت ستندم عليها مما تقوم به الآن؟
هل ستندم على الوقت الذي استنزفته على عملك أو أصدقائك في الوقت الذي كان فيه والداك أصحاء (أو أحياء) يتمنيان سويعات تقضيها معهما؟ هل ستندم على الشهادة الجامعية التي خسرتها لأنك اليوم مستسلم للنعاس وقت المحاضرات أو لصعوبة المواد وتوشك على ترك الدراسة؟ هل ستندم على تغذية سيئة اليوم ربما تتسبّب لك بأمراض مزمنة في المستقبل؟ هل ستندم على طفولة أبنائك التي مرّت سريعًا دون أن تقضي المزيد من الوقت في اللعب معهم واصطحابهم للأماكن الترفيهية؟
علام ستندم؟ وهل لديك الوقت الكافي لتدارك الأمر؟ الانشغال بتفادي ندم الغد على أخطاء اليوم هو برأيي أهم من الانشغال بندم اليوم على أخطاء الأمس.
جريدة الراية القطرية - الاثنين 26/11/2012 م