وصف الكوميدي الأمريكي لوي سي كيه العالم الذي نعيشه بجملة:" إنه عالم رائع ولكن لا
أحد سعيد، فهو مهدر على أسوأ جيل مدلل من الحمقى"، ومن ضمن فقرته الكوميدية ضرب
مثالاً على تجربة السفر، فالناس بعد عودتهم من السفر يخبرونك بقصص "مرعبة"، كأن
تتأخر الطائرة عشرين دقيقة مثلاً أو أن المقاعد لا ترجع كثيرًا إلى الوراء،
انشغالهم بالانزعاج من كل شيء أعماهم عن استيعاب حقيقة أنهم شاركوا في تجربة رائعة،
فهم كانوا جالسين في مقاعد في السماء تمر بهم بين السحاب وتنقلهم إلى أماكن كان
يستغرق الوصول إليها شهورًا طويلة وربما سنوات، والأمر ذاته ينطبق على الهواتف، ففي
السابق كان المحظوظ من يوجد في منزله هاتف يتصل به دون أن يضطر للخروج، واليوم
أصبحت الهواتف موجودة في جيوبنا حرفيًا، ورغم ذلك تجد البعض يزفر بقهر إن لم يلتقط
هاتفه الإرسال للحظات أو إن تأخرت الرسالة في الوصول قليلاً، أليس من حق الهاتف
(والكلام للوي سي كيه) أن تمهله ثوانيَ قليلةً يلتقط فيها أنفاسه ويرحل بها إلى
الفضاء بسرعة الصوت كي تقوم باتصالك الذي قد لا يكون هامًا
أصلاً؟ إن وجود هذه الأجهزة الرائعة في
جيوبنا أمر مذهل وقليل منا من يقدِّر هذه النعمة العظيمة التي أتتنا دون مجهود يذكر
إذ لم نشارك في اختراعها.
العالم اليوم يمر بمرحلة غريبة، أصبح كل شيء سهلاً
ومتوفرًا بفضل الله ولكن الراضون قلة، لغة السخط هي المنتشرة بين الناس رغم كل ما
يتمتعون به من تقنيات حديثة سهّلت عليهم الحياة كثيرًا، ورغم أن هذا الجيل تربى على
أيدي أشخاص عاصروا مراحل من الشقاء وقحط العيش؛ إلا أن ذلك لم يغير الكثير من
العقلية الاستهلاكية التي يتصف بها إنسان اليوم، لا أعرف كل أسباب ذلك ولكنني على
يقين أن للإعلام دورًا كبيرًا في الأمر حيث أشغل الأجيال بتوافه الأمور وأنزلها
منزلة الأولويات.
من المؤسف حقًا أن تكون الحياة رائعة لهذه الدرجة ونفشل في
رؤية هذه النعم والاستمتاع بها وإنما نحصر تفكيرنا فيما اعتراها من قصور مهين ولا
يكاد يبين، أشعر أحيانًا أننا لم نستوعب بعد مدى التطور التكنولوجي الذي يعيشه
العالم اليوم، ضغطة زر واحدة عبر جوالك تدخلك إلى عالم الإنترنت العجيب لتبحث فيه
عن أي شيء، لو تأخر الجوال قليلاً في تحميل الصفحات ربما أغلقته الزوجة بغضب وصرفت
النظر عن الاطلاع على طبخة ما رغم أن جدتها كانت تطحن الحبوب وتقضي يومًا كاملاً
ربما في تجهيز الطبخة ذاتها من الصفر في الوقت الذي كل ما يطلب فيه من ابنة اليوم
معرفة الطريقة وإفهام الخادمة، لو أنها سألت أمها أو جدتها عن ماهية حياتهن في
السابق لوجدت شقاءً بلا تذمر وما وجدت حالها اليوم تذمرًا بلا
شقاء.
على الجانب الآخر فمن المقلق حقًا أن الكثير من الناس ليس
لديهم أبسط مهارات البقاء، يشترون الجديد بدلاً من إصلاح القديم مهما كان الخلل
بسيطًا، تتعطل مصالحهم بسبب عقبات بسيطة كان يمكن السيطرة عليها، اعتمادهم على
التكنولوجيا أنساهم كيفية استخدام أيديهم وهذا من ألف باء الحياة.
بعض الأفراد لدى الغرب ممن انهارت حياتهم بعد الأزمة
المالية اضطر إلى بيع كل ما يملكه من أدوات إلكترونية كالغسالة الكهربائية مثلاً
وأصبحوا يغسلون ملابسهم بالطرق البدائية وينشرونها على حبال الغسيل بدل تجفيفها
إلكترونيًا، الأفراد الذين لديهم نزعة البقاء هم من استطاعوا أن يخشوشنوا ويمروا
بهذه المرحلة دون خسائر نفسية كبيرة، أما الآخرون فقد دخلوا في دوامة من الاستسلام
والاكتئاب انتهت بكثير منهم إلى الانتحار.
الكثير من جيل اليوم ساخط لا يقدّر قيمة التطور التكنولوجي
من جهة ولا يستطيع الاستغناء عن التقنيات الحديثة من جهة أخرى، لعل سبب دلع هذا
الجيل هو نزعة داخلية إلى تحقيق الكمال، هو سعي إلى مثالية لا يمكن أن تتصف بها
الدنيا أبدًا مهما بلغ العالم من التقدم، ولا بأس من ذلك، الكمال في الجنة، لا يعني
ذلك أن الحياة من حولنا ليست رائعة، بل هي مذهلة، فلنستمتع بها كما هي، ولا ننسى ما
مرّ به أجدادنا من تحديات أوصلتنا لما نحن فيه من حياة مريحة بفضل الله وحده.
جريدة الراية - الإثنين28/5/2012