الأحد، 27 مايو 2012

عالم رائع ولا أحد سعيد

وصف الكوميدي الأمريكي لوي سي كيه العالم الذي نعيشه بجملة:" إنه عالم رائع ولكن لا أحد سعيد، فهو مهدر على أسوأ جيل مدلل من الحمقى"، ومن ضمن فقرته الكوميدية ضرب مثالاً على تجربة السفر، فالناس بعد عودتهم من السفر يخبرونك بقصص "مرعبة"، كأن تتأخر الطائرة عشرين دقيقة مثلاً أو أن المقاعد لا ترجع كثيرًا إلى الوراء، انشغالهم بالانزعاج من كل شيء أعماهم عن استيعاب حقيقة أنهم شاركوا في تجربة رائعة، فهم كانوا جالسين في مقاعد في السماء تمر بهم بين السحاب وتنقلهم إلى أماكن كان يستغرق الوصول إليها شهورًا طويلة وربما سنوات، والأمر ذاته ينطبق على الهواتف، ففي السابق كان المحظوظ من يوجد في منزله هاتف يتصل به دون أن يضطر للخروج، واليوم أصبحت الهواتف موجودة في جيوبنا حرفيًا، ورغم ذلك تجد البعض يزفر بقهر إن لم يلتقط هاتفه الإرسال للحظات أو إن تأخرت الرسالة في الوصول قليلاً، أليس من حق الهاتف (والكلام للوي سي كيه) أن تمهله ثوانيَ قليلةً يلتقط فيها أنفاسه ويرحل بها إلى الفضاء بسرعة الصوت كي تقوم باتصالك الذي قد لا يكون هامًا أصلاً؟ إن وجود هذه الأجهزة الرائعة في جيوبنا أمر مذهل وقليل منا من يقدِّر هذه النعمة العظيمة التي أتتنا دون مجهود يذكر إذ لم نشارك في اختراعها.


العالم اليوم يمر بمرحلة غريبة، أصبح كل شيء سهلاً ومتوفرًا بفضل الله ولكن الراضون قلة، لغة السخط هي المنتشرة بين الناس رغم كل ما يتمتعون به من تقنيات حديثة سهّلت عليهم الحياة كثيرًا، ورغم أن هذا الجيل تربى على أيدي أشخاص عاصروا مراحل من الشقاء وقحط العيش؛ إلا أن ذلك لم يغير الكثير من العقلية الاستهلاكية التي يتصف بها إنسان اليوم، لا أعرف كل أسباب ذلك ولكنني على يقين أن للإعلام دورًا كبيرًا في الأمر حيث أشغل الأجيال بتوافه الأمور وأنزلها منزلة الأولويات.

من المؤسف حقًا أن تكون الحياة رائعة لهذه الدرجة ونفشل في رؤية هذه النعم والاستمتاع بها وإنما نحصر تفكيرنا فيما اعتراها من قصور مهين ولا يكاد يبين، أشعر أحيانًا أننا لم نستوعب بعد مدى التطور التكنولوجي الذي يعيشه العالم اليوم، ضغطة زر واحدة عبر جوالك تدخلك إلى عالم الإنترنت العجيب لتبحث فيه عن أي شيء، لو تأخر الجوال قليلاً في تحميل الصفحات ربما أغلقته الزوجة بغضب وصرفت النظر عن الاطلاع على طبخة ما رغم أن جدتها كانت تطحن الحبوب وتقضي يومًا كاملاً ربما في تجهيز الطبخة ذاتها من الصفر في الوقت الذي كل ما يطلب فيه من ابنة اليوم معرفة الطريقة وإفهام الخادمة، لو أنها سألت أمها أو جدتها عن ماهية حياتهن في السابق لوجدت شقاءً بلا تذمر وما وجدت حالها اليوم تذمرًا بلا شقاء.

على الجانب الآخر فمن المقلق حقًا أن الكثير من الناس ليس لديهم أبسط مهارات البقاء، يشترون الجديد بدلاً من إصلاح القديم مهما كان الخلل بسيطًا، تتعطل مصالحهم بسبب عقبات بسيطة كان يمكن السيطرة عليها، اعتمادهم على التكنولوجيا أنساهم كيفية استخدام أيديهم وهذا من ألف باء الحياة.

بعض الأفراد لدى الغرب ممن انهارت حياتهم بعد الأزمة المالية اضطر إلى بيع كل ما يملكه من أدوات إلكترونية كالغسالة الكهربائية مثلاً وأصبحوا يغسلون ملابسهم بالطرق البدائية وينشرونها على حبال الغسيل بدل تجفيفها إلكترونيًا، الأفراد الذين لديهم نزعة البقاء هم من استطاعوا أن يخشوشنوا ويمروا بهذه المرحلة دون خسائر نفسية كبيرة، أما الآخرون فقد دخلوا في دوامة من الاستسلام والاكتئاب انتهت بكثير منهم إلى الانتحار.

الكثير من جيل اليوم ساخط لا يقدّر قيمة التطور التكنولوجي من جهة ولا يستطيع الاستغناء عن التقنيات الحديثة من جهة أخرى، لعل سبب دلع هذا الجيل هو نزعة داخلية إلى تحقيق الكمال، هو سعي إلى مثالية لا يمكن أن تتصف بها الدنيا أبدًا مهما بلغ العالم من التقدم، ولا بأس من ذلك، الكمال في الجنة، لا يعني ذلك أن الحياة من حولنا ليست رائعة، بل هي مذهلة، فلنستمتع بها كما هي، ولا ننسى ما مرّ به أجدادنا من تحديات أوصلتنا لما نحن فيه من حياة مريحة بفضل الله وحده.

جريدة الراية - الإثنين28/5/2012

الأحد، 20 مايو 2012

كن صريحاً.. مع نفسك

للكثير من الناس جانب مخبّأ من الواقع، هي الأمور التي لانستطيع أو لانريد مواجهتها، وربما لانكون قادرين على رؤيتها أصلاً رغم قربها الشديد منا، إنكار الواقع أو التهرب من مواجهته هي حالات قد يمر بها أي إنسان بدءاً من الأم التي لاتعترف بسوء خلق ابنتها وانتهاء بقادة الدول الذين أصمّوا آذانهم عن كل الأصوات الشعبية العالية التي ترفضهم.

في بعض المجتمعات قد يكون الرجال أكثرعرضة لحالة إنكار الواقع من النساء لأن المجتمع لايتساهل معهم في حالات الضعف بينما يعد من المقبول اجتماعياً للمرأة أن تمارس حقها في التعبير عن المعاناة، لا أستغرب من رجل يفتخر أمام أقرانه في المجلس بقوة شخصيته في حين حتى الخدم في بيته يشفقون عليه من تسلط زوجته لدرجة ربما تصل إلى رميه بالأشياء، وهناك من الرجال من يعيش حالة إنكار شديدة لوضعه المادي كخسارة فادحة يواجهها في الأسهم أو إغراق خطير في الديون، وربما يصل به الإمعان في إنكار الواقع إلى السعي إلى اقتناء سيارة جديدة، وربما يهرب من مواجهة مايمر به من ضائقة مادية بالسفر وصرف مبالغ طائلة وكأنه بذلك يثبت لنفسه أو لغيره أن حالته المادية ممتازة في الوقت الذي يكون فيه عرضة للسجن في أي لحظة.

تظل أمور الهارب من المواجهة معلقة ومؤجلة حتى إشعار آخر وبذلك فقد تزداد سوءاً مع مرور الوقت بسبب تجاهلها؛ ما يؤثر سلباً على ثقته بنفسه وقد يصل به الأمر إلى الإصابة بالقلق ومختلف الاضطرابات النفسية والجسدية، حتى أصحاب الإعاقات العقلية لدى الغرب يُشرح لهم وضعهم بشكل مبسط كي يتفهموا حقيقة اختلافهم عن الآخرين ولايعيشوا في حيرة.

إن مايجعلنا نتجنب مواجهة الحقيقة هو خوفنا من مواجهة أمر مجهول قد يقود إلى إحداث تغييرات في حياتنا، وبإنكارنا للواقع نثبت على وضع واحد لا نغيره، فالتغيير يتطلب جهداً لانريد القيام به ، رغم أن الحلول قد لاتتطلب جهداً كبيراً، وأحياناً تكون أبسط مما نتخيل، قد تكون في تغيير طريقة تفكيرنا فحسب.

الحقيقة تحررنا من الخوف منها، حينما يتحقق أسوأ مخاوفك فلن تخاف شيئاً وستتصرف على أساس معرفتك بالأمر لا على أساس خوفك وتهربك منه، ما إن تواجه الواقع لن تتمكن من العودة إلى ماكنت عليه من تخبط، ستبدأ في ملاحظة تصرفاتك التي كانت مبنية على جهلك بحقيقة الوضع ولن تتمكن من الاستمرار على ماكنت عليه من أنماط سلوكية غير صحية، وبذلك فبمجرد معرفة الحقيقة يكون التغيير الداخلي قد بدأ.

إن معرفة الحقيقة وإن لم تكن الحقيقة التي نريدها خير لنا من البقاء في الظلام، تخيل أنك الآن عرفت أخيراً سبب ضيقك من أمر ما.. سبب انزعاجك من شخص ما.. سبب تصرفك بعصبية في مواقف ما، حينها ستتمكن من فهم وضعك وستتحرر من كل قيود الجهل التي قيدت بها نفسك بتهربك من المواجهة، حينها ستتمكن من التنفس بعمق وتقبّل الواقع كما هو، ما يمنحك الفرصة للتصرف حياله بمنطق ورَوِيّة.

الوضوح لاشك يحقق لك راحة في الذهن تترتب عليها سعادة في القلب، ستتحكم أكثر في ردود أفعالك وترضى أكثر عن تصرفاتك، بل ربما بعد أن تتخلص من كل المشاعر السلبية ستضحك على نفسك كيف أنك كنت مكبلاً بكل تلك الشكوك والوساوس على أمر قد لايستحق كل ذلك الانزعاج، مواجهة الواقع لا تحسن حياتك وحدك فحسب؛ وإنما تحسّن حياة الأفراد من حولك كذلك وتجعلك أكثر شفافية في علاقاتك المختلفة مع أهلك وأصدقائك وفي محيط عملك.

إن كان الواقع الذي نهرب منه مشوشاً لدرجة لاتمكننا من رؤيته بشكل واضح فإن من الحكمة أن نلجأ لمن نثق برأيه سواء كان صديقاً أو شيخ دين أو استشارياً ليضع معنا النقاط على الحروف، لاتستهين بقدرة الآخرين على إحداث تغيير في حياتك ففي بعض الأحيان يكون أسلوب تفكير الإنسان هو ما أوصله لما هو فيه، و حين يمنحه الآخرون أعينهم ويرون بها وضعه من طرف محايد سيتمكن هو كذلك من رؤية الأمر بوضوح مهما كان سيئاً.

جريدة الراية - الإثنين21/5/2012
http://raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=645045&version=1&template_id=168&parent_id=167

الأحد، 13 مايو 2012

جراحهم لاتحتمل المزيد

لازلت أتذكر صديقتي التي مات والداها وهي صغيرة السن، كانت تتغيب عن المدرسة في يوم الأم هرباً من الطابور الصباحي ومايقدمه من مواد مؤثرة عن قيمة الأم، وأتذكر من كن يبكين من الصغيرات في طابور الصباح في ذلك اليوم ممن حرمن من أمهاتهن بالموت أو غيره، وأتساءل اليوم ألم تنتبه المدرسات إلى هذه النماذج الإنسانية الغضة التي تعد جزءاً من الكيان المدرسي والتي ماكان يجب صدمها بتلك المواد الفنية المكثفة في يوم واحد كل عام؟ وددت لو قام أحدهم باتخاذ قرار يمنع مثل هذه الاحتفالات مراعاة لمشاعر الأطفال الذين لم يفهموا الحياة بعد وربما لم يستوعبوا بعد حقيقة اختلافهم عن أقرانهم، يقول وليام شكسبير "إذا تألمت لألم إنسان فأنت نبيل، أما إذا شاركت في علاجه فأنت عظيم".


التعاطف فن يحتاج منّا أن نتوحد قليلاً مع عذابات الآخرين، أن نتخلى عن أعيننا و نرى ما حولنا بأعينهم قليلاً، ولكن البعض لايرى إلا نفسه حقاً، قالت لي إحداهن ممن لم يكتب لها الإنجاب وتقدم بها العمر إنها اتصلت بقريبة لها صغيرة في السن تبارك لها خبر الحمل الثاني (بعد حملها السابق بتوأم) فردت عليها تلك بضيق: "علام تباركين لي! لقد حزنت حقاً من هذا الخبر، وددت لو أنني لم أحمل بهذه السرعة بعد ولادتي السابقة حيث كانت لدي نية للذهاب للعيادة مرة أخرى الأسبوع القادم كي أنجب توأماً آخر بالتدخل الطبي! أما الآن فقد لا أنجب إلا طفلاً واحداً فقط" تقول هذا لامرأة تعلم بأن العمر قد تقدم بها بعد أن باءت كل محاولات الإنجاب لديها بالفشل.

يفتقد الكثيرون للحس الإنساني في حياتهم اليومية فيهمشون مشاعر الآخرين بدم بارد، كالمرأة الجميلة التي تتذمر من حبة صغيرة ظهرت في وجهها أمام أخرى لاحظَّ لها في الجمال، وكالرشيقة التي تنعت نفسها بالسمنة وتشير إلى انتفاخ بسيط في بطنها لايكاد يُرى أمام أخرى سمينة حقاً، وكالشاب الذي يتذمر من تأخر شحن سيارته الفارهة أمام شخص لايمتلك إلا سيارة متواضعة يشاركه فيها أخوه، وكالذي يتحدث بحماس عن تفاصيل رحلاته الممتعة حول العالم أمام آخر لم تسمح له الظروف برؤية أقرب البلدان.

يضرب لنا الإسلام العظيم أروع الأمثلة في أهمية مراعاة مشاعر الآخرين على اختلاف أوضاعهم، بل حتى في صلاة الجماعة لاينبغي على الإمام الإطالة مراعاة لمن خلفه، فعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أمَّ قومَكَ ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ؛ فإن فيهم الكبيرَ وإن فيهم المريضَ وإن فيهم الضعيفَ وإن فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ " (مسلم).

ضع نفسك في مكان الشخص الآخر، لاتهمش أحزانه ولا تدس على مشاعره، امنحه شرف الاعتراف بوضعه فهذا وحده كاف أحياناً، يقول الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله: لاتتحدث عن أموالك أمام فقير، ولا عن صحتك أمام عليل، ولا عن قوتك أمام ضعيف، ولا عن سعادتك أمام تعيس، ولا عن حريتك أمام سجين، ولا عن أولادك أمام عقيم، ولاعن والدك أمام يتيم، فجراحهم لاتحتمل المزيد، زِنْ كلامك في كل أمور حياتك، واجعل مراعاة شعور الآخرين جزءاً من شخصيتك، حتى لايأتي يوم تجد نفسك فيه وحيداً مع جُرحك، فلا ترقص على جراح الآخرين، كي لايأتي يوم تجد فيه من يرقص على جرحك.

جريدة الراية - يوم الإثنين 14/5/2012

الاثنين، 7 مايو 2012

مصعد النجاح مُعَطّل

يقول السياسي الألماني هلموت شميت:"من يريد الوصول إلى هدف بعيد عليه أن يخطو خطوات صغيرة"، وظاهرياً رغم أن كلمة "صغيرة" التي وصفت الخطوات لاتبدو فعاّلة بجانب كلمة "بعيد" التي وصفت الهدف؛ إلا أن الواقع يثبت أن الأهداف البعيدة هي بالذات تتطلب خطوات صغيرة مستمرة، لاتستهين بقطرات الماء الرقيقة فبإمكانها حفر الصخر، بل وإن بعض الطواغيت يستخدمون هذه القطرات للتعذيب حيث تكاد تقود ساكني السجون الانفرادية إلى الجنون. 

بالخطوات الصغيرة المستمرة نحو الهدف قد يستطيع الشخص الذي يلهث بإعياء من مجرد صعود الدرج أن يكتسب لياقة مبهرة فينهي ماراثوناً يجري فيه لساعات متواصلة، بالخطوات الصغيرة المستمرة استطاع الكثير من الأفراد حفظ القرآن الكريم كاملاً، واستطاع آخرون استكمال مراحل تعليمهم الذي توقفوا عنه لسببٍ ما، ما أكثر من اكتسب الملايين بتلك الخطوات المستمرة، بل وبها يصل البسطاء إلى مقاعد رئاسة الدول العظمى، وعلى صعيد آخر فالواقع يشهد أن بالتصرفات الصغيرة اليومية قد تستطيع المرأة تطويع الرجل الذي تحب كيفما تحب إيجاباً أو سلباً، إن التغيير العميق لايأتي بين يوم و ليلة، هو نتاج محاولات صغيرة مستمرة بشكل منتظم، هي الخطوات الصغيرة البريئة ظاهرياً لكنها في منتهى القوة، حتى إبليس اللعين نفسه يستخدم هذه المنهجية، فهو لايجر الناس إلى درب الغواية مباشرة، وإنما يتدرّج ويتبّع أسلوب الخطوات الذي ينجح فيه بجدارة، قال تعالى ( يَا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبعُوا خُطوَاتِ الشَّيْطان..) الآية 21 - سورة النور.

أنت من يحدد الخطوات الصغيرة التي تناسب هدفك و وضعك و استطاعتك، مهما كانت الخطوة صغيرة فاستمرارها يمنحها فعالية قصوى، يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "على من يريد أن يتعلم الطيران أن يتعلم أولاً أن يقف و يمشي ويجري ويتسلق ويرقص"، أي خطوة ممكنة تقرّبك نحو هدفك قيد أنملة تستحق أن تخطوها، لا تضيّع الوقت في القلق بشأن الألف ميل القادمة مادمت قادراً على أن تخطو تلك الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، وفي هذا السياق يقول مارتن لوثر كنج: "خذ الخطوة الأولى بإيمان، قد لاتتمكن من رؤية الدرج كاملاً، فقط خذ الخطوة الأولى".
 
 
إن الخطوات الصغيرة تتطلب من الإنسان إيماناً قوياً بنتائجها التي لاتُرى إلا بعد حين، ورغم أنها غير مُجهدة إلا أن الكثير يفشلون في المداومة عليها بسبب قصر النظر وقلة الصبر، نحن متى ماوضعنا الهدف أمام أعيننا وآمنّا به حقاً سنتمكّن من الاستمرارعلى هذه الخطوات، هي خطوة واحدة صغيرة تتلوها أخرى، وبعد ذلك ستبداً الأمور بالتحسن تدريجياً وسيتّضح آخر الدرب مع مرور الوقت، ستأتي الإنجازات الكبرى تدريجياً؛ لن تأتي في يوم وتاريخ محدد ولكن ستأتي بالتدريج، قد لا نلاحظها مباشرة، بل ربما يلاحظها من حولنا بشكل أوضح.

قليل دائم خير من كثير منقطع، وهناك حكمة صينية تقول: "أن تأخذ خطوات صغيرة عديدة نحو الاتجاه الصحيح أفضل من أن تقوم بقفزة عظيمة نحو الأمام وتتعثر بعدها إلى الوراء"، أرى أن أحد أكبر أخطائنا في حق طموحاتنا هو السعي نحو النجاح السريع، فالنجاح الذي يدوم هو ما اتجهنا نحوه بخطى ثابتة و طبخناه على نار هادئة في إطار زمني ممتد نسبياً، إن مايعوض بطء نتائج الخطوات الصغيرة هو أن هذه النتائج تكون أكثر ثباتاً وأطول عمراً من تلك التي أتت بسرعة وبلا تخطيط، كما أن الإنسان يشعر باستحقاقه لتلك النتائج ويسهل عليه تقديرها والمحافظة عليها أكثر من تلك التي أتت في وقت قصير فيهون عليه التفريط فيها، وحول ذلك يقول الأديب السعودي عبدالرحمن منيف "عليك أن تعد وجباتك على نار هادئة، فالنار الهادئة وحدها تنضح طعاماً لذيذاً".

- العنوان مقتبس من مقولة الكاتب الأمريكي جو جيرارد (الملقب بأعظم رجل مبيعات في التاريخ): "مصعد النجاح معطل، إن عليك أن تستخدم الدرج، خطوة واحدة في المرة الواحدة".

جريدة الراية - يوم الإثنين /5/2012 م