الأحد، 17 فبراير 2013

سبب التغيير!

أعرفها شخصيًا، تعيسة في حياتها، المحيط الأسري الذي تعيش به سيء للغاية، لا أحد يهتمّ بها أو حتى يحترمها من أهلها، صادفتها منذ فترة فإذا بها قد تغيّرت كليًا، جميلة رشيقة مبتسمة أنيقة، في عينيها بريق الحياة، تتحدّث بثقة لم أعهدها، تحمست كثيرًا لأسمع قصتها وأعرف سبب هذا التحوّل الكبير في شكلها ونفسيتها.
 
دارت ببالي أمور كثيرة، لعلّها تزوجت من رجل صالح عوّضها عن بؤس الماضي، لعلّها ورثت مبلغًا كبيرًا أسعدها واشترت به كل ما كان ينقصها، ربما تغيّر أهلها فجأة فعرفوا قيمة وجودها وأصبحوا يقدّرون كل تضحياتها، لعلّها حصلت على وظيفة رائعة براتب مغرٍ وظروف عمل أفضل من وظيفتها السابقة التي كانت تشتكي منها.
 
أجابتني بهدوء: أما الزواج فلم يُكتب لي بعد، وأما الوضع المادي فديوني كما هي ما زالت تلتهم راتبي شهريًا، أهلي لم يتغيّروا بل لم يفرحوا لي أو حتى يهتمّوا بما طرأ على حياتي من تغيّر إيجابي، وظيفتي ما زلت فيها وما زال المدير المتسلط موجودًا، لم يتغيّر شيء من حولي.
 
أثار ردها استغرابي الشديد، واسترسلت في كلامها: قصصنا في هذه الحياة ليست مثيرة بالضرورة، فنحن لا نعيش فيلمًا ذا حبكة مسلية، وإنما قد تكمن غرابة الأحداث في ضعف مسبباتها، لم تمطر السماء عليّ ذهبًا يا عزيزتي، وددت لو أن لدي قصة جميلة كالقصص التي خدعونا بها لأرويها لكِ، قصة لا تخلو من السحر، فيها تفاحة مسمومة تليها قبلة تمنح الحياة، فيها ضفدع يتحوّل إلى أمير، لا يا صديقتي، ما زال أبي البخيل يرفض استقدام خادمة، وما زلت كلما نفضت الغبار من المنزل أتخيّل المارد الذي سيظهر أمامي ويُحقق لي المستحيل، لكن الغبار لم يمنحني إلا السعال وتزايد نوبات الربو مع تغيّر الجو.
 
كل ما تغير هو نظرتي لنفسي ولما حولي، لا تستغربي ولا تستهيني بالتغيير الداخلي، فالأمور العظيمة تبدأ من الداخل، قرّرت أنني لن أنتظر شيئًا من أحد، ولن أكون أنا والمجتمع ضد نفسي، أنا اليوم لا أقسو على نفسي حتى إن قصرت في أمر ما، وإنما أطبطب عليها برفق وأقول لا بأس غدًا يوم جديد نتدارك فيه الهفوات وتمضي الحياة.
 
استعنت بعدد من الكتب والدورات لأتعلم كيف أحبّ نفسي وأدللها، ولأتعلم كذلك كيف أتفادى سلبية الآخرين، اكتسبت عددًا من المهارات الحياتية التي جعلتني إنسانة إيجابية أرى الجانب المشرق في أحلك المواقف، حسّنت عاداتي الغذائية وسعيت للتخلص من الوزن الزائد، لقد حققت لنفسي التوازن الذي كنت أطمح له على مختلف أصعدة الحياة الديني منها والدنيوي، فعلت ذلك كله من أجل نفسي فقط، لم أسعَ لتغيير رأي أحد فيّ، ولم أنتظر من أي إنسان أن يصفّق لي كي أستمر، وإنما استمررت لأني أعلم أن أحدًا لن يصفق لي.
 
هذه قصتي، تغيّرت بلا سبب سوى أني أردت ذلك بكل جوارحي، اقتنيت حذاء السعادة بنفسي ولم أنتظر ابن الملك ليعثر عليه ثم يجدني ويجلس عند قدمي ليلبسني إياه، رغم بساطة قصتي إلا أني أفتخر بها كثيرًا، اعذريني إن لم تحقق لكِ الإثارة وأحسبها قد أصابتكِ بالضجر، ورغم ذلك فأنا أعرض عليكِ أن تكتبي عنها إن شئت، أريني كيف سيصيغها قلمكِ، فأنا وبكل تواضع أرى أنها ستلامس حياة الكثير من القراء الذين ينتظرون التغيير من الخارج، رغم أن التغيير.. لبّ التغيير.. يبدأ من الداخل.
 
جريدة الراية القطرية - الاثنين18 /2/2013 م
 

هناك تعليقان (2):

  1. من أروع ما قرأت
    بارك الله فيك

    ردحذف
  2. جاتني الكلمات في لحظة يأس ففتحت لي افاق
    اشكرك استاذه عائشه من كل قلبي فعلا سنين مضت ننتظر التغيير من الخارج اعتقد حان الوقت باذن الله لتغيير النفس من الداخل

    ردحذف