الأحد، 10 فبراير 2013

خيمة السعادة

حين أعود بالذاكرة إلى الوراء لأسترجع أسعد لحظات الطفولة تقفز إلى الذهن قصص كثيرة، أبرزها أمور غير مكلفة، بل إن الكثير منها مجاني، مما جعلني أتساءل هل حقاً السعادة مجانية ومتاحة للجميع؟ وهل يعقل أن تجد السعادة مكاناً أكبر في قلب العامل الذي يفترش الإسمنت ويلتحف الشمس الحارقة بينما لاتكاد تجد لها مكاناً في قلب ساكن القصر في الشارع ذاته؟.
أسعد ذكريات الطفولة المبكرة جداً بالنسبة لي لم تكن السفر للخارج أو شراء الألعاب الغالية، رغم أنني ممتنة جداً لكل تلك الذكريات الرائعة، إلا أن الذكرى الأكثر صخباً في داخلي كانت حين "ألعب خيمة" مع والدي أطال الله عمره على الصالحات، كثيراً ماكان يسألني قبل أن يأوي إلى فراشه "هل تريدين أن نلعب خيمة؟" فأقفز فرحاً وأجري نحو غرفته بحماس منقطع النظير لأجلس داخل تلك الخيمة الواسعة منبهرة بضوئها الخافت، حيث كنت أندس تحت فراش أبي الذي يرفع رجله ويده ليتحول السرير إلى خيمة سحرية عجيبة أقهقه داخلها كأنني ملكت الدنيا ومافيها.
الأطفال حديثو العهد بالدنيا ولذلك فنفوسهم مازالت على الفطرة السليمة، فقهوا حقيقة السعادة التي لاتحتاج لجهد جبار، ولعل درس السعادة بالموجود (أياً كان) هو أثمن مايمكن أن نتعلمه من الأطفال، إلى جانب العديد من الدروس الثمينة كالتسامح والمرح وتكرار المحاولات في كل شيء كي تظل جذوة الحياة مشتعلة.
القدرة على الاستمتاع بتفاصيل الحياة الصغيرة من أبرز مهارات السعداء، منح الذات صلاحية التلذذ بكوب من الشاي على دكّة متهالكة والنفس راضية أجمل من ارتشاف قهوة فاخرة في أفخم مقاهي باريس بنفس لاتشبع من الدنيا، مراقبة طفل متحمس لاكتشافه المشي ممتعة أكثر من مراقبة شاشات الأسهم ارتفاعاً ونزولاً، تناول شطيرة لاتتجاوز الخمس ريالات مع شخص تحبه يسعد أكثر من تناول وجبة في أغلى الفنادق مع شخص لاتستطيع فتح حوار معه فينشغل كلاكما بهاتفه الثمين المغلف بغطاء غال.
المال لايشتري السعادة، ولو كان يشتريها لكان الأثرياء أبعد الناس عن الأمراض النفسية وحالات الإدمان والانتحار، أصحاب النفوس الغنية هم السعداء حقاً، إذ أن رضاهم بمالديهم صرف أذهانهم عن الحزن على مافاتهم، فانشغلوا بالاستمتاع بما لديهم.
هذه دعوة لنلتفت قليلاً لجمال الأشياء البسيطة، ولنخترع لأبنائنا المزيد من خيام السعادة؛ فضوؤها الخافت سيتسلل إلى أرواحهم بعد حين، لينتشلهم من أحلك لحظات العمر، ويمنحهم الدفء والأمان.
 
جريدة الراية القطرية - حديث الإثنين 11/2/2013 م
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق