الاثنين، 30 أبريل 2012

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ

هل هناك ما يعكر صفو حياتك ؟ بك ضيقٌ من وضع عائلي معيّن؟ تُعاني من مشكلة صحية؟ ضقت من حالتك المادية التي تقف في وجه أحلامك ؟ فشلت في الزواج ممن تريد؟ غير مرتاح في وظيفتك؟ لن تخلوَ حياتك من ابتلاءٍ ما، ولعلّ في هذا المقال سلوانًا لك.

لعلّك قرأت عن المرأة التي بشّرها الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة حيث أتته طالبة الدعاء لها بالشفاء من الصرع، فخيّرها صلى الله عليه وسلم بين الشفاء وبين أن تصبر فتضمن الجنة، فاتخذت القرار الحكيم بالصبر على الابتلاء في هذه الدنيا الزائلة بدل المخاطرة بالخلود في نعيم الآخرة، ثم إنها اتخذت القرار الذكي بطلبها ألا تتكشف، وفي هذا التفاوض المؤدب مع النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنّ صبرها على الابتلاء لا يلغي حقها في الاجتهاد ورفض الاستسلام لتبعات الابتلاء التي يُمكن السيطرة عليها، الصبر لم يقف في وجه التفكير الإبداعي الذي جعلها تتوصل إلى الحل الوسط، لم تستسلم للواقع بالكلية دافنة رغبتها في ستر جسدها رغم ما بها من صرع، فكان لها ذلك.

أجزم أن هذه القصة تمسّ كل من يقرأ هذه الأسطر؛ إذ لا سعادة كاملة في هذه الدنيا، فالكل مبتلى بدرجات متفاوتة، لعلّ لنا نصيبًا من الجنة التي بشّرت بها هذه المرأة إن نحن صبرنا على ما نحن فيه، أما آن أن نغيرَ نظرتنا السوداوية للابتلاءات ونراها تذكرة دخول للجنة شرط الصبر عليها؟

ربما حرمك الله من أمر ما ليدخلك الجنة التي لم تكن لتستحقها لولا أن رفع منزلتك بصبرك على ما ابتلاك به، إذ ربما أصبت بالمرض لأنك لو كنت ذا صحة لاقترفت ذنوبًا نأى بك الرحيم عنها، ربما ابتلاك بشريك حياة فاسد ليرى صبرك فيدخلك الجنة التي لم تكن لتكون من أهلها لولا وجود ذلك الشخص في حياتك، ربما حالكِ أفضل بلا زوج فكم من امرأة كان زواجها جحيمًا أفقدها عقلها فانتهت إلى المصحات أو السجون.

أنا لا أدعو إلى ترك إصلاح أوضاعنا باسم الصبر، ولكن بعض الأمور ابتلاءات كتبها الله علينا من رحمته بنا ولا يداويها إلا الصبر الجميل الذي لا يتعارض مع الاجتهاد في تطوير الذات والأخذ بأسباب الفرج إن أمكن ذلك، هي حكمة الله نؤمن بوجودها قطعًا رغم جهلنا بها، إن عجزت نفسك عن استيعاب "وجود" تلك الحكمة لا "فحواها" فليس ذلك لضعف إيمان فحسب ولكنه قصور في فهم الدنيا كما هي عليه حقًا، إن هناك من غير المسلمين من فهم بالفطرة سبب وجود التحديات في الحياة وغيّر نظرته لها مما سهّل عليه التعايش معها بل والإبداع الدنيوي من ورائها، أمّا نحن المسلمين فلدينا من ديننا بشارات للصابرين في الدنيا والآخره وبها ما يجبر كل كسر ويريح كل قلب.

يا من ابتلي بالمرض العضال، لعلّ ما تتمناه من صحة لم يكتبها الله لك هي أمر مؤقت زائل لا يضمن لك ما يضمنه الصبر على المرض من دخول للجنة بلا حساب وبجسد مختلف سليم يقوى على التنعّم في جنة جارك فيها محمد صلى الله عليه وسلم، يا من تعرّضتِ للإجهاض وتتحسرين على الطفل الذي لم يكتب له عمر معكِ وعلى الأحلام التي لم تتحقق باحتضان جسده وسماع صوته؛ داوي الألمَ بالصبر الجميل، فلعلّه خير ولا تدرين ما كان سيؤول إليه حاله إن كبر، أيموت قبل أن ترينه أم يموت في عينيك ألف مرة وهو حي؟ ثم إن اللقاء معه حتمي في الآخرة ليكون شفيعًا لكِ ويتحقق لكِ الوعد في أخذه بيدكِ للدخول إلى ما لا عين رأته ولا أذن سمعت به ولا خطر على قلب بشر.

الحمد لله، إنّ قنوطنا من أمور في السابق لا يعني أننا لا نستطيع أن نُدير دفّة الأمور في اتجاه الصبر الآن، هي دعوة لتغيير نظرتنا للابتلاءات التي مُنحنا وجودها رحمة من الله بنا.

جريدة الراية - الإثنين30/4/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق