الاثنين، 23 أبريل 2012

التبرير لتخدير الضمير

بعد أن اعترفت بقتل زوجها بوحشية سألها الصحفي من وراء القضبان قبل أن يتم الحكم النهائي في قضيتها ما إذا كانت نادمة، فأجابت بكل ثقة: "لو عاد بي الزمن إلى الوراء لقتلته مجدداً، ولن أتردد في قتله مراراً إن كان ذلك ممكناً!"، ثم بدأت في سرد مبرراتها "لقد أذاقني المر، أشبعني ضرباً، لم يصرف علي، إنه لايستحق أن يعيش، وأنا فعلت ماكان يجب فعله منذ زمن".


ومثلها من اختلس من أموال الدولة سواء بسرقة الملايين أو بالاستيلاء على ممتلكات جهة عمله البسيطة أو باستغلال صلاحياته في الاستفادة الشخصية، كلهم كان لديهم مبررات خدّرت ضمائرهم وقت ارتكاب ذلك الفعل، ربما قال أحدهم إن الأجانب يتنعمون بثروات البلد وإنه أولى من غيره، وربما قال آخر إن جهة عمله تستحق أن تُنهب بسبب غياب الرقيب، وآخر قد يتذرّع بممارسة الآخرين للأمر وأن امتناعه لن يغير من الواقع شيئاً، وغيرهم من تحجج بعلم رئيسه بكل هذه التجاوزات ولا يحرك ساكناً، وربما قال آخر إن المدير نفسه يرتكب ذات التصرّف.. إلى آخر اسطوانة المبررات المشروخة.

أما أصحاب الوزن الزائد فهم كذلك يستخدمون أسلوب التبرير ليتنصلّوا من مسؤوليتهم في التحكم بحياتهم ،تبريراتهم أكثر إبداعاً من غيرهم جمعوا بها علوم الطب والجينات وعلم النفس ومختلف علوم الجغرافيا والأحياء، فبعضهم يلوم الوراثة، وآخر يلوم بيئته الأسرية أو الضغوط النفسية، وهناك من يلوم وضع جسمه الكيميائي حيث لايحرق السعرات الحرارية بسهولة، والبعض يتحجج بظروفه الصحية كآلام الركبة مثلاً،وهناك من يلوم الدولة التي لم توفّر متنزهات وشواطئ جاذبة، وربما تذرّع آخرون بحرارة الجو التي لا تشجّع على ممارسة الرياضة، وسلسلة المبررات لا تنتهي.

وكذلك من تربطها بزميل عملها علاقة تتجاوز مجال العمل، هي أيضاً لديها مبررات داخلية وإن رفضت التصريح بها، ربما لامت زوجها على فظاظته وجفافه في التعامل معها في الوقت الذي تجد فيه من الشخص الآخر لطفاً واحتراماً وتعاطفاً، فهو يهتم حقاً إن تأخرت أو لم تأكل شيئاً طوال فترة العمل، وربما عرض عليها أن يقوم بعملها المتراكم كي تخرج مبكراً لتستعد لحضور حفلة ما، هو الأذن التي تنصت لها باهتمام في الوقت الذي لا يريد زوجها سماع كلمة واحدة منها، كل ماسبق مبررات تلعب دور طبيب التخدير لكل آلام الضمير وتمنح الإنسان إحساساً كاذباً بالرضا عن الذات يخلو من أي إحساس بالذنب.


تبرير الأخطاء أمر خطير يسوَغ لنا ارتكاب أعتى أنواع الشرور والحماقات، هي لعبتنا على الذات كي نقتنع أن الخطأ ليس بخطأ وإنما هو ضرورة يجب فعلها كي يستقيم ميزان العدالة، المبرر هو ماينصّلنا من مسؤوليتنا في ما اقترفته أيدينا ونحن بكامل الوعي.

إنها ثقافة التبرير التي أعاقتنا عن إصلاح أخطائنا، الثقافة الهزيلة التي مارسناها ظلماً لأنفسنا بدل أن نستخدمها لتبرير أخطاء غيرنا، فحاسبناهم وتنصّلنا من محاسبة أنفسنا، أرى أن نستخدم التبرير لنسامح به غيرنا، ونمنع أنفسنا منه كي نتمكن من إصلاح حياتنا.



فيا من خنت شريكة العمر بم ستبرر ارتكاب كبيرة الزنا أمام رب العالمين في يوم العرض عليه؟ أبنشغالها مع الأبناء؟ أم بقلة تزيّنها؟ ويا من أدمنت معاكسة الفتيات أهن الملامات لتبرجهن أم أنت من فشل في التحكم بنوازع نفسه؟ ويا من خرجت متبرجة هل البحث عن زوج سبب حقيقي يبرر التهاون في الحجاب ونشر الفتنة؟ نحن لن نستطيع تغيير العالم مالم نتمكن من تغيير أنفسنا أولاً، كلنا مسؤولون وليس بيننا معذور، لننشغل قليلاً بإصلاح أنفسنا بدل اللوم الأهوج لكل ما حولنا.


إن إيجاد المبررات أحد أسهل مهارات الحياة، يبدأ مع الإنسان منذ طفولته فيبرر سرقة ألعاب غيره ( لأنها أجمل ) ، ويبرر غشه الامتحان ( لأنه صعب )، ومع تقدمّنا في العمر تتطور معنا مهارة التبرير وتصبح أكثر حبكاً فتصبح أكثر إقناعاً وتتطور إلى سرقة زوج، والاستيلاء على ميراث، و قد تصل إلى سرقة وطن من سكانه الأصليين، بل إن الجبابرة قد يدّعون الألوهية و يبررون لأنفسهم إبادة شعوب بأكملها.


على الجانب الآخر فإننا بقليل من المنطق السوي ندرك بالفطرة أننا كنا نستطيع تفادي تلك الأفعال لو واجهنا أنفسنا مواجهة صادقة وتسلّمنا زمام أمور حياتنا دون إلقاء المسؤولية على أي شخص أو وضع ، فكما أننا استطعنا أن نبرر فنحن كذلك نستطيع أن لا نبرر، نحن نستطيع أن نستطيع، إن أردنا ذلك حقاً.

جريدة الراية- الإثنين23/4/2012
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=638551&version=1&template_id=168&parent_id=167

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق