الاثنين، 2 أبريل 2012

لاتواسيني بتصغير الألم

إن من صور مُراعاة مشاعر الآخرين ألا نستهين بأحزانهم لا سيما في بداية وقوع المصائب، البعض يستنكر عليهم حتى الدموع ويُعنّفهم عليها وهذه ذروة التهميش لمشاعرهم، ربما ذهب أحدهم لعزاء شخص فقال له: "لا تبكِ عليه! فهو يُعذّب ببكائك!! إنه يتعذب بسببك!" كان من الأولى له أن يبحث عن معنى هذا الأمر قبل أن يُحرّم عليه حتى الدموع، فقد بيّن النووي رحمه الله أن العلماء على اختلاف مذاهبهم أجمعوا أن ما يُعذَب به الميت هو البكاء بصوت ونياحة وليس بمجرد دمع العين، أما ما يُقصد بكلمة يُعذّب فقد ذهب الطبري وغيره أن المقصود به أن قلب الميت يرق لأهله ويحزن ويتألم بسماعهم يبكون (على النحو المذكور)، ويكون حينها في البرزخ وليس يوم القيامة، وأنا أرى أن في هذا المعنى سلوانًا لهم حيث يشعرون بقربه منهم وإحساسه بهم رغم الموت.



تقول الشاعرة العالية:
لا تُواسيني بتصغير الألم
                        دامه بعيني وبإحساسي كبير
قل لي إني أكثر إنسان انظلم
                        وإنك بتبقى بصفي للأخير
لا تعاتبني على دمع وندم
                       لا تطلعني بها للحظة صغير !



تتجلى مُراعاة مشاعر الآخرين في التعاطف الصادق معهم، أحيانًا لايحتاج الإنسان إلى منديل ليمسح دموعه ولكن إلى كتف يبكي عليه، أحيانًا لا يشتكي بحثًا عن حلول ولكن عن اهتمام، لا يريد منطقًا جافًا ولكن يريد أذنًا مصغية، لا تخبره أنه الآن بخير إن لم يكن كذلك، بل قل له إنه ليس بخير ولا بأس من ذلك فسيصبح بخير بعد حين، الإيجابية أحيانًا ليست في إنكار وضع قائم وإنما في التسليم بوجود وضع سيئ والاقتناع بأنه إلى زوال، إن الرأي المُتعاطف مع الآخر هو أكثر واقعية وبالتالي فهو أقرب للتصديق وأقدر على المواساة، إن لم نكن بخير فنحن لسنا بخير وما أجمل الاعتراف بحقيقة الأمور بدل إنكار مدى سوئها في مشهد تمثيلي رديء لا يقتنع به أحد لكن الجميع يدّعي تصديقه.



يشدني أسلوب تعامل د.فوزية الدريع مع متصليها في البرنامج التلفزيوني الذي تستقبل فيه مشاكلهم، لا يخلو حديثها من كلمات ودودة كـ "يا عيوني"، "ها أمي"، إنها لا تحتقر وضعهم الديني المقصّر ولاتعنّفهم على ما لايمكن إصلاحه من أخطائهم التي حصلت وانتهت، ورغم أنها أفنت عمرًا في علاج أبشع أنواع المشاكل والتي ترتبط بالتحرشات وآثارها النفسية الفادحة، إلا أنها ورغم كل ما مر عليها لا تزال تتأثر بصدق بل وتبكي مع المتصلين إذ تدمع عيناها وتطلب فاصلاً إعلانيًا.



"خلني أشكي واعبر عن ألم
                     لا تقول اضحك أنا توّي كسير" (الشاعرة العالية)
ومن صور تهميش مشاعر الآخرين إعطاؤهم حلولاً بسيطة وسريعة، عندما يخبرك أحدهم أنه مصاب بالأرق لا تقل له ببساطة: "استلقِ وأغمض عينيك وسيأتيك النوم!"، ألا تظن أنه يعلم ذلك بعد خبرة نوم عمره كله؟ ألم يوصلك تفكيرك إلى إمكانية وجود سبب أعمق من ذلك حرم عينيه النوم؟ قد لا تكون طبيبًا متمرسًا ولا تعرف الأسباب ولكنك بالتأكيد تعلم أن ما قلته لم يكن أفضل ما لديك ولم تقله على نحو يحمل أي ذرة تعاطف.



سلاح الكلمات يمتلك قدرة علاجية مُذهلة، أحيانًا تختصرعلى الآخرين بتعاطفك معهم مسافات طويلة من الوجع، الاعتراف بحقهم المشروع في الحزن بسبب المواقف التي يمرون بها يمنحهم قدرة عجيبة على التعافي وتخطي تلك المواقف بسلام بعد أن يكونوا قد منحوها حقها من التعبيرعما فعلته في أرواحهم.



المواساة فن، بعض الناس يعرف بالفطرة ماذا يقول للآخرين في مواقف الضعف الإنساني لينتشلهم مما هم فيه برفق، والبعض الآخر لا يتمتعون بهذه القدرة إما بسبب عدم وجود الموهبة الكلامية أو بسبب الإغراق في حُب الذات إلى الدرجة التي أعمتهم عن رؤية عذابات الآخرين، وفي الحالتين فهم يستطيعون تعلّم بعض مهارات المواساة أو تفادي بعض الأخطاء.

جريدة الراية - الإثنين2/4/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق