الاثنين، 23 يناير 2012

ليس رقصاً على الجراح!

استوقفتني تغريدة للشاعر فهد المساعد عبر صفحته المميزة في تويتر (والتي يتابعها يومياً أكثر من 71 ألف مشترك) يقول فيها: "هناك مقولة منتشرة أنا ضدها تماماً، تقول : يوجد من هو أشقى منك دائماً، فابتسم" و يصفها المساعد أنها "ابتسامة أنانية تلك التي مصدرها الوحيد شقاء الآخرين". 
 
 
ورداً على ماقاله المساعد فأنا أختلف معه جزئياً وأرى أن البشرية ليست بهذا السوء، فالسواد الأعظم من البشر مازالوا على الفطرة ولايرقصون على الجراح، ربما فشل قائل تلك المقولة في صياغتها فحسب ولم يقصد الابتسامة بمعناها الحرفي، حيث إن ديننا يدعونا إلى حمد الله على معافاتنا مما ابتلا به غيرنا، ومن الأمثلة على ذلك زوار القبور الذين يترددون على المقابر لتقدير نعمة الحياة وأخذ العبرة لا للشماتة في الموتى مثلاً، وكثير من الناس يزور المستشفيات رحمة بمن فيها وكي يقدّر قيمة الصحة كذلك.

إننا نحتاج في بعض الأحيان أن ننظر لمن هم أقل منا حظاً كي نعرف قيمة مانحن فيه بالمقارنة، هي دعوة لمراجعة النفس ومواجهتها بتقصيرها في حمد الله على نعمه، وليست دعوة للأنانية، ولكن ذلك لايعني أن كلام المساعد ليس صحيحاً ، فالبعض حاد عن الطريق دون قصد، قد تزرع الأم التحجّر في قلوب أبنائها إن قالت لهم "كلوا ففي إفريقيا من يموت جوعاً الآن!" وقد تربي ابنتها على حب الذات واحتقار الآخرين إن زيّنتها لحضور مناسبة ما بنيّة إثارة غيرة من هن أقل منها جمالاً، وقد ينتشي الرشيق عندما يغبطه من ابتلي بالسمنة، بل ويتعمد إحراجه وجرحه بدل أن يحمد الله على ما آتاه من الصحة ويدعو لغيره بالمعافاة.

ذكرتني مقولة المساعد بأنشودة انجليزية للمنشد الإماراتي أحمد بوخاطر اسمها إغفر لي "Forgive me" أرى إنها توضح تماماً مايجب أن تكون عليه ردة الفعل الإنسانية في هذه المواقف، الأنشودة باختصار عبارة عن قصة شخص يتجول في مدينة ويلتقي بأشخاصٍ ابتلوا بإعاقات مختلفة ولكنهم يبتسمون للحياة فيتذكر نعم الله عليه ويندم على تذمره وهو الذي يملك ما لا يملكون، بحثت عن تصوير الأنشودة في موقع اليوتيوب المختص بمقاطع الفيديو واستوقفتني تعليقات الناس عليها، رغم إبحاري المتواصل في بحر اليوتيوب إلا أنني لم أر قط مقطعاً أعجب كل من رد عليه رغم أن صاحبه لم يفعّل خاصية الموافقة على التعليق قبل نشره، استوقفني التنوع في المشاهدين عرباً وأعاجم، مسلمين ومسيحيين ويهودا وغيرهم ، كثير من الردود تحدثت عن الدموع التي نزلت تأثراً بالمقطع وندماً على تذمرهم في الماضي، شعرت بعظمة دين الفطرة الذي زرع فينا هذه الروح الإنسانية السمحاء، و من الردود (بعد الترجمة) :
  
"هذا النشيد يجب أن يجعلنا جميعاً نفكر كم من المرات تذمرنا على لاشيء ونسينا أن نحمد الله على ما أعطانا من حياة وصحة، لقد دمعت عيناي، سامحني عندما أتذمر يا الله!" 
"لقد اعتنقت الإسلام، أتعلمون لماذا؟ لأن أشخاصاً مثل أحمد ألهموني!"
"إن هذا رائع! قد لاأكون مسلماً إذ أنني يهودي … وأدعو الله أن يسامحني عندما أتذمر!"  
"هذا الفيديو حزين جداً، يذكرني كيف أننا كبشر نصبح أحياناً جاحدين لخالقنا، اللهم اغفر لنا جميعاً.. آمين" 
"أحسنت عملاً يا أخي العربي! أنا مسيحي وأحب هذه الأغنية!"
 
 
وإحقاقاً للحق فإن صاحب نظرية "الابتسامة الأنانية" ذو شاعرية فذة، وهذا حال ذوي الإحساس العالي من البشر لايملكون إلا أن يتألموا لعذابات الآخرين، قد يكون صوت الرحمة لديهم أعلى من صوت العبرة، ذكرني كلامه بقريبتي التي كانت بحاجة لعملية زراعة أعضاء، كانت تقضي أيامها في انتظار متبرع وتسوء حالتها الصحية مع مرور الوقت، همست لي وهي على فراش المرض قائلةً: "أتعلمين أنني أخجل من نفسي أن أنتظر شخصاً كي يموت فأحصل على أحد أعضائه" ، ما أجمل القلب الذي يخجل من أن يفرح لموت أحدهم حتى لو جعل الله ذلك الموت سبباً في حياته!

جريدةالراية-الإثنين23/1/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق