الاثنين، 9 يناير 2012

لا تنتظر شيئاً من أحد

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "ماحك ظهرك مثل ظفرك .. فتول أنت جميع أمرك"، إن في الاستغناء عن الآخرين قوة يعرفها من جرب ضعف الاعتماد عليهم، ما أجمل أن يقرر الإنسان أن لا يحتاج لغيره، أي فكرة أكثر تحرراً من أنه لن يقبل دور الضحية بعد اليوم؟ لن يلوم إلا نفسه ولن ينتظر شيئاً من أحد.

علمتني الحياة أن الاعتماد على الذات يختصر على الإنسان مراحل مريرة من القهر وصفعات متتالية مؤلمة من خيبات الأمل، الاعتماد على الذات يكشف لك أن الحياة قد تتجرأ فتصبح أسهل وأجمل بدون مساعدتهم، وأنك قد تستطيع خَلق جنة في صدرك لايعلم بها غيرك، جنة اسمها الإنجاز.

مهما كانت إنجازاتنا الخاصة صغيرة إلا أنها تمنحنا لذة الاستقلالية، ذلك التحرر من قيود اخترعناها ثم آمنا بها! فلم نعد نرى سبيلاً لتحقيق رغباتنا إلا من خلالها، قد ينتظر أحدهم من جهة عمله توفير أشياء لمصلحة العمل، فتتلف أعصابه في انتظار الموافقة على طلبه، رغم أنه كان يستطيع شراء بعض الأمور التي طلبها من جيبه الخاص، ليس تفضلاً منه ولكن لأنه ينأى بنفسه من ضياع وقته في الانتظار ولوم الآخرين وإن قصّروا، لماذا ننتظر منهم إصلاح أخطائهم (أو أخطائنا) في الوقت الذي نمتلك فيه القوة المادية أو المعنوية لجعل الأمور تسير بشكل أكثر سلاسة وسرعة، لماذا نمنحهم سُلطة كان باستطاعتنا أن نجعلها في أيدينا فنتحرر من قيودهم؟

أنا من أنصار جعل الاستعانة بالآخرين مهما بلغ قربهم منّا في حدها الأدنى، نضطر لها اضطراراً وتكون بقدر الحاجة الملحّة فحسب، فمهما بلغ قربك من الآخر إلا أنه في النهاية ليس أنت، الناس قد يتغيرون فينشغلون أو يملّون، وإن لم تتمكن من حب نفسك للدرجة التي تجعلك حريصاً على تسيير أمورك فلا تنتظر من الآخرين أن يحرصوا عليك بقدر ماكنت ستحرص على مصلحة نفسك.

دعني أختصر عليك مراحل من الألم وأخبرك أنك مالم تكن وليداً تقوم أمه على رعايته فلن تجد من يتولى أمورك بالإتقان الذي كان ينبغي أن يكون نابعاً منك، اعلم أنهم سيتخلون عنك متى ما تخليت عن نفسك؛ حتى لو كنت منشغلاً عن نفسك بإسعادهم، أنظر حولك جيداً وستجد أن الكثيرين ممن تخلوا عن أنفسهم في زحمة الحياة لم يجدوا من يتمسك بهم فيما بعد.

إنك حينما تمنح شخصاً ليس أنت صلاحية القيام على أمورك فإنك لا تستطيع أن تجبره على الأمر، بمعنى أن لديه حرية عدم التنفيذ (حتى وإن كان ذلك ضمن مسؤولياته)، وبالتالي فإنك تكون قد منحته القدرة على تدمير حياتك إن أراد أو بغير قصد، ثم إن لكل شخص حياته الخاصة وليس من الحكمة أن تسلمهم مفاتيح حياتك حتى لو طلبوها، بل وحتى إن كانت مفاتيح حياتهم في يديك؛ فإن كنت أميناً عليها فهذا لايعني أنهم سيعاملوك بالمثل، اعلم أنهم قد يسيئوا استخدام السلطة التي منحتها لهم ويُمعِنوا في الإساءة فيقفلوا أبوابك في وجهك بمفاتيحك الثمينة التي أَرخَصتها كثيراً حين ائتمنت غيرك عليها طواعية.

هل منّا من يمتلك الشجاعة فيعترف بخطئه وتقصيره في حق نفسه، ويستطيع أن يخلص نفسه من قيود أفضاله عليهم؟ من منّا يتجرأ فيسامحهم ويعفيهم من مسؤولية سعادته ليتحملها بنفسه؟ فلتكن أباً يعقّه ابنه أو زوجاً تخذله زوجته أوموظفاً يظلمه مديره وقرر أن تبعدهم عن حساباتك قليلاً لتحرر نفسك من القهر وتدير وحدك دفة الأمورهذه المرة، إن العمر يمضي والكثيرون محطات قد لاتستحق أن نتوقف عندها كثيراً، فليتواجدوا في حياتنا بأجسادهم، ولتنشغل عقولنا بحرصنا على أن لا نسمح لهم أو لغيرهم بأن يتفضلوا علينا بما نستطيع أن نوفره لأنفسنا بأنفسنا، دون أن ننتظر شيئاً من أحد.

عائشة العمران

جريدة الراية - الإثنين9/1/2012 م
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=615681&version=1&template_id=168&parent_id=167

   

هناك 6 تعليقات:

  1. عن جد روعه
    حلو الانسان يعتمد ع نفسه ويتحمل المسؤليه بدون ما يحتاج لاحد

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا
    هذا ما كنت ابحث عنه منذ مدة ولقد ابدعتي فيه

    ردحذف
  3. استاذه عايشه تعجبني مقالات جدا فيها الكثير والكثير نحتاج ان نتعلمه في حياتنا بارك الله فيم

    ردحذف