الأحد، 5 فبراير 2012

عندما يخطئ الملاك

أعرف امرأة حديثة العهد بالأمومة، وعند موعد ثاني استحمام لطفلتها في إحدى ليالي الشتاء الباردة جعلتها تستلقي على قطعة من الإسفنج صممت خصيصاً لاستحمام حديثي الولادة، فوجئت بابنتها تصرخ وتبكي بشدة ولم تعرف السبب، ثم اكتشفت أن الإسفنج به ماء منذ الاستحمام السابق، ونظراً لبرودة الجو فقد كان الماء بارداً جداً، ورغم أن الأمر انتهى عند هذا الحد ولم يصب الطفلة أي أذى، إلا أن الأم ظلت تجلد ذاتها على تلك الحادثة وتتهم نفسها مراراً بالغباء وبأنها أم سيئة، قد يبدو الأمر بسيطاً في أعين الآخرين إلا أنه في نظرها لم يكن كذلك أبداً؛ حيث رسمت لنفسها صورة الأم المثالية التي لم تكن لترتكب مثل هذا الخطأ التافه الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تداعيات جسيمة لولا رحمة الله، جعلها هذا الموقف تشك في قدراتها كثيراً وتستسلم أكثر للمشاعر السلبية فأدخلت نفسها في دوامة من الاكتئاب.

في حياة كل منا أخطاء ارتكبها ويخجل منها، قد تكون صغيرة أو كبيرة، كثيرة أو قليلة، هي تلك الأمور الغبية التي ندمنا على ارتكابها وجَلَدنا ذواتنا عليها مراراً، هي تلك الأمور التي تقض مضاجعنا ليلاً ثم نصحو لنحملها على أكتافنا كل صباح لنعود ليلاً للمبيت وهي جاثمة على صدورنا.

الخطأ وارد، نحن نخطئ كثيراً في تربية الأبناء، في تعاملاتنا مع من حولنا، في القرارات اليومية التي نتخذها في العمل وفي الحياة، قد نتلفظ بأمور نندم عليها فيما بعد، وقد نرتكب أموراً أكبر ونخجل من مواجهة أنفسنا بها أحياناً، وكلما كانت نظرتنا لذاتنا على قدر أكبر من المثالية كلما كان الندم أكثر عنفاً لأننا أنزلنا أنفسنا منازل الملائكة المنزهين عن الخطأ ثم فوجئنا ببشريتنا فأبينا إلا أن ننغمس أكثر في الشعور الرهيب بالذنب رغم أن الله رحيم وغفور، يمنحنا فرصاً تلو الفرص لنستغفر ونتوب، ونظل نخطئ ونعاود الكرة ويتقبل عودتنا مجدداً، ولا يمل سبحانه حتى نمل نحن!

إن الشعور بالندم شعور مزعج ولكنه إيجابي مادام في حدود المعقول، هو يعني أنك على قدر عال من الإحساس، أنك أقرب للآخرين فتشعر بمعاناتهم، في الوقت الذي يدوس فيه غيرك على عذابات الآخرين ويصعد على أكتافهم تظل أنت من يشعر بهم، لابد من توجيه هذه المشاعر إلى المنحى الإيجابي لتتعلم من أخطائك لا أن تصيّرها قضباناً تسجنك، اعتبرها دروساً ربانية في التواضع والتسامح مع الآخرين لأنها دليل حي على أنك لست بملاك أعلى من مستوى البشر، ثق أنك تعلمت منها ومن الندم عليها الكثير، وامض في حياتك.

لابد أن يسامح الإنسان نفسه على الماضي كي يستطيع الاستمرار في الحياة، سامح نفسك واعترف لها أن ماحدث كان أمراً غبياً ولكنه حدث، لقد أخطأت فأين الغريب في الموضوع؟ سامح نفسك فقد عنّفتها بما فيه الكفاية، لاتجعل من أخطائك أبواباً للشيطان يدخل منها ليقنعك أنك سيء فترتكب المزيد بهذا المبرر، أنت لست بسيء وأنت تعلم ذلك ، كل ما في الأمر أنك في لحظة ما قمت بتصرف خاطئ وأنت الآن آسف، هذا كل ما في الأمر، ولا تغتر بمثالية من حولك ففي جعبتهم الكثير من الأخطاء ولكن من ستر الله لنا أنها لا تُكتب على جباهنا وإلا لما خرج شخص من بيته.

دعني أتنبأ لك بالقادم وأخبرك أنه رغم كل ما تظن أنك تملكه الآن من حكمة؛ إلا أنك سترتكب المزيد من الأخطاء في المستقبل، وستفُاجأ بنفسك كيف ان أقدمت على أمورٍ كتلك، ولكن هذه هي الطبيعة البشرية، هكذا أراد لنا الرحمن أن نكون فلم يخلقنا ملائكة منزهين عن الخطأ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ". (صحيح مسلم)


جريدة الراية - الإثنين6/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق