الاثنين، 13 فبراير 2012

متى أَعلنتَ وفاتك؟

البعض انتهى عمره قبل موته الفعلي بكثير، هي تلك اللحظة التي توقفت فيها حياته عن التطور وربما بدأ يتجه إلى الوراء، هي اللحظة التي حكم فيها على طموحه بالموت بسبب خيبة أمل كبيرة ألمت به، توقف الزمن لديه عند حدثٍ ما وظل عالقاً في تلك المرحلة الزمنية ومتمسكاً بحلم لم يكتب له تحقيقه فأبى أن يرضى بغيره، كلاعب كرة القدم الذي رسم لنفسه مستقبلاً باهراً في الاحتراف ولكن الحياة فاجأته بإصابة مزمنة وهو في بداياته فانتهى به المقام متحسراً على الشهرة التي لم يحظَ بها، وانتهت إنجازاته عند ذلك الحد ولم يعد يتعرف على نفسه إن لم يُشِر لها بكونه لاعب كرة، فأصبح في نظر نفسه نكرة يخجل حتى من الإشارة لها أمام الآخرين.. لقد أعلن وفاته يوم إصابته.

وممن توقفت لديهم الحياة من فجعوا بموت حبيب، لم يعينوا أنفسهم على تضميد الجراح ولكنهم أمعنوا في تعذيب أنفسهم بالحزن الشديد وربما لم يدعوا للميت بقدر ما تحدثوا عنه، نسوا أن الحبيب قد انتقل إلى رب رحيم وأنه يشتاق الآن للدعاء فحسب، تناسوا أن بينهم من الأحياء أحبة بحاجة لهم الآن، فكما مات حبيبهم فإنهم ماتوا في أعين أحبتهم موتاً أشد، ماتوا بإرادتهم، ابتعدوا مخيّرين، وهذا أشد إيلاماً فهم اختاروا الفراق الذي لم يختره الراحلون بالموت.. لقد أعلنوا وفاتهم يوم موت حبيب.

وآخر توقفت حياته بعد فشله من الزواج من امرأة ما، فرفض الاستسلام للواقع وظل يندب حظه ويفرغ غضبه في من حوله، ربما رسم لها في خياله صورة مثالية ورفض التنازل عنها رغم أنها قد لا تختلف في النهاية عن باقي النساء ولكنها في نظره القاصر تستحق أن تنتهي الحياة بسبب فقدانها، حرم نفسه من التنعّم في حياته وهي مع رجل آخر في الوقت الذي قد لا يكون فيه الرجل الآخر محظوظاً بها حقاً.. لقد أعلن وفاته يوم زواجها من غيره.

قد يبدو الكلام قاسياً بعض الشيء، فخيبة الأمل مريرة ويصعب تجاهلها، يصعب تصديق أن ذلك الشخص لن يلعب الكرة بعد اليوم، وأن الآخر لن يرى عزيزه الراحل مرة أخرى في الدنيا، وأن المرأة التي أراد الزواج بها أصبحت من نصيب رجل آخر، ولكن مهما كان السبب الذي أوقف الإنسان حياته بسببه إلا أن الحياة تظل أعمق من كل الأسباب، لم يكن رمي النبي يوسف عليه السلام في البئر نهاية المطاف، ولم يكن بيعه بثمن بخس حكماً بالبؤس، ليس اتهامه بالخيانة نهاية الحياة ولا سجنه سنين طوالاً يعد فشلاً، لم يمنعه كل ذلك من الاستمرار في تحقيق الإنجازات ومحاولات الإصلاح حتى وهو في السجن بتأويل الرؤى، لم يدمره الظلم بل خرج من بين القضبان إلى معترك الحياة بعزم ليشغل منصباً مرموقاً دون أن يحرمه بؤس الماضي من سعادة الحاضر أو أمل المستقبل في التبرئة من الاتهام والاجتماع بالأهل.

مهما كان سبب تعاسة الإنسان إلا أن الحياة أغنى من أن تتمحور حول شخص أو حدث لأنها لا تثبت على حال، ومن ظلم الإنسان لنفسه أن ينهيها بيده فيتوقف الزمن ولا يَعدو العمر الثمين عن كونه وريقات يقتطعها من الرزنامة وشيباً يفاجأ به أمام المرآة، تأمل في جسدك وستراه يدعوك للعودة للحياة مهما تقدم بك السن، فالأنفاس التي يلفظها صدرك تعني أن رئتيك لم تستسلما بعد، سيمفونية النبضات التي يعزفها قلبك تؤكد لك أنه يريد أن يعيش، لبِّ دعوات الحياة ولا تغلق نافذة روحك ما لم يستسلم جسدك.


جريدة الراية - الإثنين13/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق