الأحد، 7 أبريل 2013

Rock Bottom (2-2)

يقول أحدهم: اللحظة الحاسمة التي جعلتني أتخلص من إدمان المخدرات هي حين أوشكت أن أفقد أغلى ما أملك: عقلي، أفزعتني فكرة أنني قد أجن، عندها قرّرت أنني قد اكتفيت حقاً من الإدمان وهرعت باكياً إلى أقرب شخص لأترجاه كي يساعدني في إسكات الأصوات التي بدأت أسمعها في رأسي.
 
حين يتدهور وضعنا إلى الحد الأقصى ولا نتصور أن من الممكن أن يزداد سوءاً، كأنما ارتطمنا أخيراً بالصخرة في قعر الحفرة بعد انحدار طويل، لم يعد من الممكن النزول أكثر من ذلك فاضطررنا أخيراً للصعود، هذه هي الحالة الذهنية المسماة Rock Bottom التي نقرّر فيها أننا قد اكتفينا، قد يكون الوضع على درجة عالية من السوء فيخيل للمرء أن الموت أجمل من الاستمرارعلى ما هو عليه.
 
تختلف حدة هذه التجربة من شخص لآخر، البعض يمر بها حين يخسر أو يكاد أن يخسر شيئاً لا يتصور حياته بدونه، يتجلى له فيها أسوأ كوابيسه في حال يقظة، تُمثل لدى البعض دخول السجن ليفهم أخيراً أن عليه مواجهة مشاكله المالية، آخرون لحظتهم الفاصلة هي حين يفاجأون بخيانة شريك العمر فيتمكنوا أخيراً من التخلص من شباك التعلق بشخص لا يستحقهم، البعض لحظة الفهم لديه هي حين يُطرد من عمله ويجد نفسه عاطلاً.
 
كما أن هناك من لا يحتاج الكثير ليفهم الدرس، البعض لا تعدُ نقطة التحوّل في حياته نظرة خيبة أمل من أبيه أو دمعة من عين أمه، البعض تكفيه كلمة استهزاء واحدة ليقرّر أن يتغير، آخرون غيرّتهم آية قرآنية مرّت على مسامعهم أو فقرة من كتاب أو حتى مشهد تمثيلي عابر.
 
على الجانب الآخر هناك من لا يريد أن يستوعب دروس الحياة وصفعاتها المتتالية، يذكرني بذلك شخص خسر في سبيل اتباع هواه صحته، تركته زوجته الصالحة، طُرد من وظيفته، خسر الكثير، ولم يستشعر تلك اللحظة الحاسمة حتى قُبِضت روحه، لم يتأمل حاله بتمعن في حياته وأغلق قلبه عن كل محاولات الإصلاح الجادة، لحظة الصحوة لديه أتت متأخرة كثيراً، دفع عمره ثمنها.. حرفياً.
 
يكون ثمن لحظة التغيير فادحاً أحياناً، غالِ لدرجة أن نتساءل هل تستحق الحقيقة أن ندفع ثمنها هذا كله؟ رأيي الشخصي أن الثمن أياً كان يستحق أن يُدفع طالما أننا مازلنا على قيد الحياة ونستطيع إصلاح ما يمكن إصلاحه من أخطائنا قبل الموت، لأن الحياة وإن أنقصت خسائرنا منها الكثير فهي في كل الأحوال غير كاملة.
 
رُبَّ محنة منحة، يحتاج الإنسان أحياناً للمحن التي تشعل داخله ضوءً ما وتدفعه دفعاً إلى تعديل مسار حياته في التخلص من القيود التي كبّل نفسه بها، ولكن ليس من الحكمة أن نؤخر التوبة أو التخلص من الإدمان وغيره حتى تحين تلك اللحظة، لأنها قد لا تأت أبداً، يجب أن لا ننتظرها وإنما نسعى لصنعها بأيدينا إن لم تُقّدّم لنا على طبق من المرض يرغمنا على ممارسة الرياضة أو تزف لنا في جنازة صديق لنعرف أن العمر قصير.
 
إن مررت بلحظة الصحوة لاتتجاهلها، استشعرها واسمح لها أن تغيّر حياتك، أما إن لم تجدها فأوجدها ولا تؤجلها، فنحن لا نملك صلاحية تحديد وصولنا لتلك المرحلة، ولذلك فرغم إعجابي بقوة تأثير هذه اللحظة إلا أنني أؤمن أن في انتظارها سذاجة لا متناهية.
 
الراية القطرية - الاثنين  8/4/2013 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق