الأحد، 14 أبريل 2013

سعودي ولكن لقيط

قرأت مؤخّرًا كتاب "سعودي ولكن لقيط" لكاتبه سمير محمد، يتحدّث فيه عن حياته منذ بدأها في دار الرعاية، ألقى الضوء على مواقف ومشاعر كثيرة تزدحم داخل أولئك البشر، كما تَطرّق إلى النظرة الدونية لفئة مجهولي الأبوين وذكر الكثير من الأمثلة.
 
جعلني كلامه أسترجع بعض الممارسات التي نفعلها دون قصد فنُغذّي بها هذا النهم المريض نحو إقصائهم وتحقيرهم، ومن الأمثلة كلمات أغنية "العشرة ما تهون.. إلاّ على ابن الحرام!"، ومن المواقف اليوميّة الأم التي تُحذّر ابنها من "أبناء الحرام" رغم أن "أبناء الحلال "من "أصدقاء السوء" هم الخطر الحقيقي، بغضّ النظر عمّا يُقصد من هذه التسميات فإنها تظلّ بشكل أو بآخر مرتبطة بتلك الفئة المظلومة.
 
بعد جلسات طويلة مع الذات وصل الكاتب أخيرًا إلى قرار التسامح مع مجتمعه والتوجّه نحو التفكير الإيجابي مما حقق له النجاح الأكاديمي والوظيفي، كما مارس الكاتب سيطرة كبيرة على نفسه وتحكّمًا يُثير الإعجاب في رغبات هذه النفس، يصعب التصديق أن شخصًا لم يمنح نفسه الضوء الأخضر لارتكاب المحرّمات مع غياب الرقيب العائلي أو القبلي، لكن تقوى الله هي بحقّ ميزان التفاضل بين الناس.
 
تحدّث الكاتب بإسهاب كبيرعن القَبَليّة التي بحث فيها شخصيًّا، حيث أخضع أبناء القبائل من أماكن متعدّدة في المملكة للدراسة، كما تعمّق الكاتب في تحليل النظام القَبَلي في المجتمع وانتقاده بكشف عيوبه وتناقضاته وتدخّلاته السافرة التي تتلاعب في كثير من الأحيان بأنظمة الدولة، والتي قد يصل ضررها إلى حياة الفرد الخاصّة حيث تعوق تطوّره بسبب قيود القبيلة ومجاملات أبناء العمومة.
 
رغم إعجابي بمبادئ الكاتب واتفاقي مع معظمها إلاّ أني أرى أنه للأسف يخوض معركة غير متكافئة الأطراف، خصمه فيها الصحراء وهو حبّة من رمالها، التعصّب القَبَلي وُجد قبل الإسلام ولا تزال سطوته إلى اليوم أقوى من الدين لدى الكثير من الناس، لا أرى في المستقبل القريب أيّ نور في آخر النفق بل مزيدًا من الأنفاق اللامنتهية.
 
ختامًا أسجّل إعجابي الشديد بالاهتمام الصادق الذي تُوليه المؤسسة القطرية لرعاية الأيتام (دريمة) لفئة مجهولي الأبوين، ففي الوقت الذي انشغل فيه الكثيرون بمادّيات الحياة وانهمكوا بالتطاول في البنيان؛ يظلّ في المجتمع أفراد أنقياء حملوا على عاتقهم فعل ما يجب علينا جميعًا فعله، وأبدعوا أيّما إبداع في تعويض تقصيرنا، بارك الله في جهودهم، ونفع بهم البلاد والعباد.
 
الراية القطرية - الاثنين 15/4/2013 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق