الأحد، 13 يناير 2013

احتفظ برأيك.. لنفسك

أنت يا من تقرأ هذه الكلمات إنسان فاشل، شكلك لا يعجبني، كما أن ملابسك التي ترتديها الآن قبيحة لأن ذوقك سيئ، لا تغضب (فلا أحد يغضب من الصراحة!)، هذه هي الصراحة وهذا هو رأيي الذي من حقي التعبير عنه.
 
تنتهي الكثير من النقاشات الحادّة بجملة "هذا هو رأيي، أليس من حقي أن يكون لي رأي؟ "، وكثيرًا ما تساءلت..هل من حق الناس الإساءة لبعضهم البعض بذريعة "حرية التعبير"؟
 
لا أحد يستطيع حرمانك من رأيك بإدخال يده في رأسك لينتزع منه آراءك في الحياة، من حقك بل من طبيعة تكوينك أن "تفكر" بشكل مستقل، ولكن ليس من الحكمة أن "تعبّر" عن أفكارك في كل شاردة وواردة، فتغتاب هذا وتجرح ذاك وتحرج هذا وتتدخل في شؤون ذاك وتخسر هذا وتتشاجر مع ذاك، كل ذلك من أجل أمور تافهة لم يكن من الضروري أن تصدح برأيك فيها من الأساس، نعم اطمئن فلك رأي وهو موجود في رأسك، لكن.. احتفظ به لنفسك.
 
- إذا كان التعبير عن رأيك يعد أكلاً للحمٍ ميتٍ، تغتاب فيه الناس فتستهزئ بهم أو تقذفهم لمجرد أن لك رأيًا في أشكالهم (التي صوّرها الله سبحانه) أو تصرّفاتهم.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
- إذا كان في رأيك تدخل في شؤون الآخرين، تنتقد فيه خياراتهم في حياتهم الخاصة كإدارتهم لأموالهم أو اختيارهم لشركاء حياتهم، وهي أمور ليست من شأنك أبدًا.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
- إذا كان رأيك يتعلق بموضوع لست ملمًا به، فتطلق أحكامًا على الآخرين بناءً على معلومات ناقصة، أو تغرّد في تويتر عن أمور لم تفهمها بشكل كافٍ في الدين أو السياسة أو الرياضة وغير ذلك.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
- إذا كان التعبير عن رأيك سيسبّب فتنة بين الناس، كأن يتسبب بطلاق زوجين، أو يثير الخلافات بين الإخوة، أو يشعل نارًا مذهبية عبر وسيلة إعلامية.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
- إذا كان التعبير عن رأيك سيجعلك تخسر صديقًا، أو سيوغر صدور البعض عليك، فكان الثمن الذي ستدفعه بالتعبير عن ذلك الرأي مرتفعًا جدًا رغم أنه يتعلق بأمر هامشي لا يستحق كل تلك البلبلة.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
-إذا لم تملك الأسلوب الحسن، وأصبح تعبيرك عن رأيك تجريحًا للآخرين فانشغلوا بسوء أسلوبك عن منطقية فكرك، فتعلم أولاً كيف تتحدّث، وإلى ذلك الحين.. احتفظ برأيك لنفسك.
 
- إذا كنت تعلم أن الشخص الذي أمامك لا يتقبّل الآراء من الآخرين أو منك شخصيًا، فهو لا يريد الاستماع لك ولا يهمّه رأيك فلن يأخذ به بل سيهاجمك بسببه.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
- إن كان رأيك عبارة عن انتقاد لتصرفات تمارسها أنت شخصيًا، فتأمر الناس بالبر وتنسى نفسك.. فاحتفظ برأيك لنفسك.
 
كثيرة هي المواقف التي يفضل فيها أن نحتفظ بآرائنا لأنفسنا، وما الأمثلة أعلاه إلا نموذج بسيط من الكم الهائل من المواقف اليوميّة التي تصادفنا فتزل ألسنتنا بالتعبيرعما نراه نحن رأيًا ويراه الآخرون إهانة أو تدخلاً في شؤونهم أو غير ذلك من التأويلات، فما تراه أنت رأيًا قد يراه الآخر شيئًا آخر، فهو كذلك له رأي في رأيك الذي اخترت أن تعبّر عنه متحملاً بذلك كل تبعات قرارك.
 
إن رأيك ثمين فلا تسترخصه باستنزافه على توافه الأمور، اجعل لكلمتك ثقلاً يفرض على الآخرين احترامك فأنت لم تمنحهم صلاحية الاطلاع على رأيك إلا حين استحق الأمر أن تتحدّث عنه.
 
* يقول ربنا سبحانه وتعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ..) الإسراء 53
 
جريدة الراية القطرية - الإثنين 14/1/2013 م
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق