الاثنين، 26 ديسمبر 2011

ألستُ أجمل من أبيكم؟

كثيراً ماتساءلت وأنا أنظر لجدتي رحمها الله كيف أنها مهما بلغت من المرض أو الإرهاق لم تكن لتستغني عن الكحل والحناء والمصاغ الذهبية والعطور، لايلزمها أن تخرج من بيتها أو أن يزورها أحد لتفعل ذلك كله، كان يحدث بتلقائية شديدة دون تكلف، كحال أكثر جداتنا في قطر لايفارق الكحل أعينهن الغالية المتعبة من سنوات الكد والعناء، وتساءلت عن هذه التربية الرائعة التي زرعت فيهن حب التزين زرعاً، فكن بحق ممن يُنَشّأ في الحلية.

وكذلك جدي رحمه الله حيث اعتدت منظر افتراشه الأرض وقد تَحَلّقنا حوله نتابع حركاته السحرية بإعجاب وهو يخلط مكونات الصبغة ليخفي بها الشيب الذي غزا كل شعر رأسه ووجهه، ثم يذهب للحمام ليغتسل ويسألنا مازحاً: "كيف أبدو؟ أرأيتم قط رجلاً بهذا الجمال والأناقة؟ ألست أجمل من أبيكم؟"، لطالما تساءلت بيني وبين نفسي أكان حقاً يرى ذلك في نفسه وهو الذي تجاوز الثمانين وعاصر شقاء الغوص في أهوال البحر، أم أنها أمور يفعلها كي لايستسلم لأحكام تقدم العمر ويقوَى على الاستمرار ومواجهة مصاعب الحياة وتناسي همومها التي كان أبرزها اختطاف الموت لابنه الأكبر ولكثير من أصدقائه وأحبابه.

ثم تساءلت وأنا أنظر إلى بعض نسائنا اليوم حيث لايتزين إلا عند الخروج من المنزل، فتمر على إحداهن الأيام تلو الأيام وهي كئيبة مستسلمة لضيق الوقت أو لأبناء تصعب السيطرة عليهم أنسوها الاهتمام بشكلها، رغم أن ظروف أمهاتنا وجداتنا كانت أصعب بكثير من وضع نساء اليوم، وتساءلت كذلك عن حال بعض رجالنا ممن أهمل الاهتمام بالهندام مالم يكن لمناسبة ما أو مكان ما.

رغم أننا نعيش في عالم مادي تحكمه المظاهر، عالم لامكان فيه للبسطاء شكلاً، إلا أن اهتمامنا بالهندام ليس شمولياً في كل نواحي الحياة؛ بل هو خارجي متكلف، لاينبع من حبنا لذواتنا وإنما إرضاء للغير، وبالتالي فإننا لانتمتع بتلك الثقة بالنفس التي كان يتمتع بها أجدادنا رغم بساطتهم، إذ تدور كثير من أحاديثهم حول مدى وسامتهم وهم في سن الشباب ، ذلك أنهم أدركوا جمالهم الداخلي ثم أضافوا عليه لمسات خارجية بسيطة أرضوا بها أنفسهم أولاً، فانعكس ذلك على تعاملهم مع غيرهم.

الكثير منا اليوم يعيش حياة مزدوجة إذ يختلف شكله خارج البيت اختلافاً جذرياً عن شكله داخله لاسيما بالنسبة للنساء مما ينال من الثقة بالنفس التي تنتشي مؤقتاً بالاطراءات الخارجية ثم بمجرد العودة للمنزل يختلف الشكل كلياً فيبرز هنا السؤال المحوري"من أنا؟" أأنا الشخص رائع الجمال بشهادة الأغراب في الخارج، أم أنا هذا الذي لايعجبني شكله ولكنني أراه في كل مرايا منزلي .. وهنا يتضاعف الشعور بعدم الاستحقاقية لتلك الإطراءات فتضعف الثقة أكثر مما يدفع بالشخص لاتخاذ إجراءات أكثر تطرفاً كاللجوء للتدخل الجراحي وغيره.

ومن المفارقات العجيبة التي تتجلى فيها هذه الازدواجية المجتمعية أن الحرص الشديد على التزين (للآخرين) بمساحيق التجميل وغيرها قد ألقى بظلاله حتى على قدسية مراسم العزاء، ولم يعد للموت اعتبار في وجه ضعف الثقة بالنفس مع الرغبة الملحة لإرضاء الناس ونيل إعجابهم ، لم أعد أستغرب من امرأة يتمنى زوجها أن يراها متزينة له ولكنها لاتملك إلا أن تتزين لأداء واجب عزاء!

هذه دعوة للتزين للذات أولاً ولأحبابنا المقربين ثانياً، دعوة لتربية بناتنا على الاهتمام بالأمور الأنثوية دون أن يكون السبب مناسبة ما، فنتجنب بذلك الكثير من المصائب فيما بعد والتي أقلها ضعف الثقة وأشدّها مايسمى بالاسترجال، دعوة لتأمل مانرتديه داخل المنزل أمام أغلى الناس وأولاهم بحسن عشرتنا، دعوة لعدم إهمال ترتيب الهندام طوال الوقت وبدون مناسبة كما كان أجدادنا يفعلون حباً للحياة لاحباً للمظاهر، تعزيزاً للثقة بالنفس لا إخفاءً لعدم وجود تلك الثقة من الأساس.

جريدة الراية - الإثنين19/12/2011 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق