الأحد، 14 أكتوبر 2012

لا تؤجل ألم اليوم إلى الغد

إن تأجيل ألم اليوم إلى الغد يجعل الآلام تتكالب علينا من الداخل لتتسرّب بعد أن يطفح الكيل إلى الخارج في صور اضطرابات نفسيّة كان من الممكن تفاديها، ورغم أنها أتت تدريجيًّا إلاّ أنها تُفاجئ مَنْ حولنا وربّما فُوجئنا نحن بها كصدمة ظهر البعير بالقشّة رغم إدراك حقيقة تحميله ما لا يطيق.

 

كلّما تهرّب الإنسان من مواجهة مشاكله حفرت تلك المشاكل وجودها حفرًا أعمق في روحه، قد يظلّ أثرها وإن انتهت لأنّها لم تُعالج في السابق، ويُمكن قياس الأمر ببعد آخرعلى الحساب الأخروي لمن لم يتب في الدنيا وإن توقف عن ذنبه، كمن ترك التدخين لأن صحّته لم تعد تسمح له بذلك لا لحرمة الأمر، يظنّ بعدها أن أمر التدخين قد انتهى ثم يُفاجأ به في صحيفته فيُحاسب عليه لأنه لم يتب وإن توقف، وكذلك مشاكلنا الدنيويّة لا تنتهي بانتهاء مددها الزمنيّة إن لم نُقرّر مواجهتها على الأقل بالاعتراف بها كخطوة أولى.

 

ومن نواتج الآلام المُهملة الاكتئاب فهو لا يدخل بالضرورة من الباب، قد يتسلل من أسفله، وربّما دخل عبر فتحات التهوية كحبيبات غبار بريئة لا تلبث أن تصير ماردًا مُهابًا، الحزن التدريجي أشدّ على النفس مما أتى بين عشيّة وضحاها، فالأمور العارضة التي لم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب يُحكم عليها بالتأبيد في داخل الإنسان فتظلّ حبيسة الأضلع وتستقبل باستمرار ضيوفًا من الهموم المستجدّة فتتعارف الأوجاع فيما بينها وتتكاتف مكوّنة جيشًا في الصدر يرفض الاستكانة والخضوع، وربّما رفض الإنسان الاعتراف بفداحة ذلك الضيق أو علاجه، يُذكّرني بهذا الحزن وصف أدوم أنواع الحب من كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي في قوله: ".. وهذا الذي يُوشك أن يدوم ويثبت ولا يحيك فيه مر الليالي فما دخل عسيرًا لم يخرج يسيرًا".

 

الحزن بئر لا قرار لها، لا سيّارة حوله ولا وارد يُدلي دلوه، إن لم تصعد بنفسك فستستمرّ بالانحدار، وكلّما تأخّرت في الصعود تأخّرت في الوصول، السرّ أن تُرغم نفسك على التخلّص مما أنت فيه بأي شكل وإن لم تجد في نفسك الرغبة أو الطاقة لبذل المجهود اللازم، فقط استجب لفطرة المقاومة في داخلك وإن بدا الأمر آليًا ومصطنعًا، استيقظ كل صباح ومارس حياتك بشكل طبيعي حتى لو اضطررت إلى التدرّب أمام المرآة لرسم ابتسامة صغيرة، ارسم الابتسامة على وجوه الآخرين لعلّ بعضًا من توهّجها ينعكس على روحك، قُمْ بكل شيء وأي شيء، افعل ما يفعله السعداء، أو على الأقل حاول، تذكّر أنك تُحاول من أجل شخص ليس له سواك ومن الظلم أن تكون أنت والظروف عليه، شخص يستحقّ المحاولة، أنت.

 

*عنوان المقال من تغريدة للشاعر الفاضل سعد علوش

 

جريدة الراية - الإثنين /10/2012 م

http://raya.com/writers/pages/55ff2c7e-db08-4292-b9af-7be9cfb032aa

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق