الأحد، 7 أكتوبر 2012

كي لاتخذلك الذاكرة

 
 
 
 
حين تخذلك الذاكرة.. ترتفع قيمة كل صورة فوتوغرافيّة التُقطت لك يومًا، لتلمسها بيدك وتتصفّح معالمها بعينيك لترى ما كان قبل أن يتغيّر وتتغيّر، لا تستصغر ما يُمكن أن تتعلّمه من شخصك القديم
 
- حين تخذلك الذاكرة.. تزداد أهميّة ذلك الصديق القديم، الذي يتذكّر أمورًا قد نسيتها، يُخبرك كيف كنت، لتُقارن بين نفسك التي عرفها ونفسك اليوم.
 
- حين تخذلك الذاكرة.. تحتاج رشّة واحدة من عطر قديم، أو ربّما نفحة من رائحة حنّاء أو حتى حطب محترق، ليعود بك إلى تفاصيل زمان مضى كنت فيه وساهم في تشكيل شخصيّتك اليوم، رغم أنك نسيته.
 
- حين تخذلك الذاكرة.. تنتشلك من خذلانها أغانٍ أو أهازيج بصوت مغنٍّ ما، أو ربّما بصوت أمٍّ تُهدهدك صغيرًا كي تنام، الصوت وحده يعود بك إلى دفء ذلك المكان وخصوصيّته.
 
- حين تخذلك الذاكرة.. تختنق العبرات مع ابتلاع لقمة لطبق سبق أن أكلت منه في فترة زمنيّة ماضية، وربّما كان هناك شخص يُشاركك تلك الوجبة، تعود بك حاسّة التذوّق إلى ذلك الزمن، وذلك الشخص.
 
حين تخذلك الذاكرة.. سيصعب عليك التعرّف على نفسك التي قد تكون أضعت بعض ملامحها في زحمة الحياة الحديثة؛ التي لا تعترف بالماضي الثمين.
 
حتى ذكرياتنا المُؤلمة نحتاج أن نسترجعها قليلاً، الألم الذي تخطّيناه دافع كبير لنستكمل درب الحياة ونحن أقوى وأكثر حكمة، من عانى من قسوة أبيه يستطيع أن يُحوّل ذلك الحرمان إلى طاقة حنان قصوى يمنحها لأبنائه ليكون هو بالنسبة لهم الأب الذي كان يتمنّى أن يحصل عليه يومًا.
 
وكي لا تخذلك الذاكرة مجدّدًا، إبدأ ببناء واقع رائع تتذكّره ويتذكّره أبناؤك فيما بعد، لا تجعل الصور حبيسة الأجهزة التي تتغيّر وتتعطّل، اطبعها لتُصبح ورقيّة تلمسها الأيدي وتُتوّجها البراويز وتحتضنها الجدران، التقط لهم صورًا عفويّة فحياتهم اليوميّة هي ما يودّون تذكّره حقًّا بعد ذلك.
 
احتفل بشقاوة الطفولة ولا تتذمّر من نعمة وجودها، لا تُصوّرهم مقيّدين بملابس الماركات وإنما صوّرهم بملابس اللعب المتسخة بوحل الحديقة قبل أن تتسخ النفوس بوحل الدنيا، لا تُصوّرهم مبتسمين للكاميرا وإنما صوّرهم مبتسمين لبعضهم قبل أن يدخل الشيطان بينهم كبارًا فيُنسيهم كيف كانوا متلاحمين صغارًا، احتفظ بأشيائهم القديمة وامنحهم الحبّ الذي يُترجمه تتويجك لكل معالم إنجازاتهم الصغيرة.
 
إبدأ ببناء تقاليد خاصّة بك وبمن حولك وإن كان الأمر ببساطة وجبة طعام معيّنة أسبوعيّة بعد كل صلاة جمعة مثلاً، الأفكار كثيرة لبناء قاعدة بيانات ضخمة من الذكريات، أنا أرى أن بإمكاننا أن نتعمّد صنع ذكرياتهم قبل أن يُصبح لكل منهم بيته وحياته مما قد يُنسيهم ماضيًا جميلاً يدفعهم لبناء مستقبل أجمل لمن حولهم.
 
جريدة الراية - الإثنين 8/10/2012 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق