الأحد، 26 مايو 2013

لا تسمح لشيء أن يقتل كل شيء

سألته: لو عاد بك الزمن إلى الوراء أي خطأ كنت ستمنع نفسك من ارتكابه؟ فأجاب بلا تردد: ترك الجامعة، ففي عامي الدراسي الثاني أساء لي الأستاذ الجامعي بكلمة جعلتني أتشاجر معه وأقرر بعدها بتهور أنني قد اكتفيت من الدراسة وسأتجه للعمل، أعلم اليوم أن ذلك كان أغبى قراراتي على الإطلاق، وددت لو أن أحداً أقنعني بالعدول عنه.
 
استوقفتني تغريدة للشاعر فهد المنخس يقول فيها "لا تسمح لشيء أن يقتل كل شيء"، تكون ردود أفعال البشر أحياناً فادحة، يحرمون أنفسهم من كل شيء لأن شيئاً واحداً فقط قد خذلهم، لا تنفض يدك من الأمر برمته لمجرد أن أحد تفاصيله لا يعجبك، فهذا من نقص الحكمة ومن سوء تقدير المواقف، إن وجدت في نفسك شيئاً من ذلك فراقبها وامنعها من أن تمارس هذا الظلم عليك، وفي هذا السياق ثمة قاعدة تقول "ما لا يُدرَك كُلّه لا يُترَك جُلّه".
 
حقاً لا تسمح لشيء أن يقتل كل شيء، من خانك لم تقتل خيانته فرص الحب الأخرى التي ربما يكون أحدها أمام عينيك، الصديق الذي خذلك لم يلغ الصداقة التي مازال الكثيرون يستمتعون بدفئها، الموظف الذي آذاك لا يبرر أن تترك وظيفتك الحالية بكل مميزاتها، الوطن الذي ظُلِمت فيه لا يعني أن تنفض يديك منه وتهاجر لاهثاً خلف هوية لن تجدها في أي مكان آخر.
 
الأمر ذاته ينطبق على العلاقات الإنسانية، فمن كره من زوجته خُلقاً رضي منها آخر، لكن الكثيرين سمحوا لعيب واحد في الشخص أن ينسف كل مميزاته، لا أنكر أن بعض العيوب لا تطاق، لكن ثمة مميزات تجعلنا نتنازل عن تمسكنا بصفات اخرى، وفي هذا السياق يقول الإمام الشافعي: تَسَتّر بالسخاء فكل عيبٍ.. يغطّيه كما قيل السخاء.
 
العيش في جلباب الأمس ليس السبيل الأمثل لنمضي في هذه الحياة، علمني الوجع أن الكمال في الجنة وأن علينا أن نتأقلم مع نقص الدنيا ،هذه دعوة لمداواة الجروح قدر الإمكان كي لا تزحف آثارها إلى أبعاد حياتنا الأخرى، فالحياة أكبر من أن نختزلها في حدث واحد، كالبحر الذي مهما طفت على سطحه بعض الوريقات يظل عميقاً في أحشائه الدُّر كامنٌ، إنك حين تعطي الموقف أكبر من حجمه تتضاءل قيمتك كإنسان في مواجهته وهذا من الضعف، ولا مكان هنا للضعفاء.
 
 
الراية القطرية -  الاثنين 27/5/2013 م

هناك 9 تعليقات:

  1. لاتسمح لشيء أن يقتل كل شيء)".. فالحياة أكبر من أن نختزلها في حدث واحد"
    مقال أكثر من رائع وواقع محال لابد من أن نخسرها بسسبب حدث ما

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على التعليق.. ليس بالضرورة أن نخسر الحياة لحدث واحد.. فنحن رغم كل شيء أقوى من الظروف.. لكننا نتفاوت في قوة التحمل وحب الحياة

      حذف
    2. لا أريد أن أبالغ في ثنائي ، أو أن يكون برتوكول منتديات ولكن حقاً في هذه المدونه يوجد بها الكثير مما يستوقف الإنسان ويُلهمه ..

      أشُكري الله أنه هباكِ هذا السحر في التعبير وبساطة الكلمة وعمق المعنى في آن واحد ..

      وشكراً لكِ 🌹..


      إعلامي من السعودية

      حذف
    3. تعليقك أسعدني جداً لاسيما أنني في المراحل الأخيرة لنشر كتابي الأول، شكراً على وقتك وبيانك.

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أجبتِ على تساؤل كان يراودني خلال رحلة القراءة لهذه المدونة لعدة أيام وهو لماذا لم ينُشر لكِ كتاب؟ تحديداً عندما وصلت لبعض المقالات القديمة ولم أستطع فتحها واستفزني ذلك، ولا اعلم إن كان الخلل من المدونة نفسها أم من جهازي ؟ ولكن حقاً نحن بحاجة قلم يتحدث عن النفس الإنسانية بهمومها واحتياجاتها بكل صدق ..

    مايُميز قلمك أنه يستهدف العامة الذين هم أحوج من النخبة بتبسيط المفردات قدر الإمكان حتى تُلائم الجميع مع تطعيمها بمصطلحات نخبوية تبين مدى ثقافة الكاتب ، آخيراً أرى في قلمُكِ طب قد يُشافي بعد الله كثيراً من الناس ، فنحن نذهب للطبيب عندما تتشتكي أجسادنا ، ونذهب للكاتب عندنا تشتكي أنفُسنا .

    أخيرًا كيف نعرفُ متى وأين سينشر هذا الكتاب ؟

    وأعتذر عن الإطالة متمنياً لكِ مزيداً من النجاح والتوفيق 🌹

    ردحذف
  4. أتشرف بكل حرف، وأعتز بشهادتك في حقي أخي الفاضل، الكتاب في الحقيقة هو بالتحديد ماتفضلت به، أسميته "كن بخير" وأوجهه تحديداً لكل من يمر بأزمة ويحتاج لمن يربّت عليه، سيتوفر قريبا عبر دار سما للنشر.

    ردحذف
  5. مقال رائع وصلني عن طريق الواتس من سنين وللآن مانسيته وللآن أعيش متمثله بكل كلمه فيه فهو ينطبق تماما على حياتي ودائما أرسله لأي واحد أحسه يحتاجه لأنه يستحق إننا نقف على كل كلمه فيه

    ردحذف
  6. قرأت كتاب كن بخير كتاب أكثر من رائع كتاب يغير نظرتك للحياة وددت لو انه لم ينتهي

    ردحذف