الأحد، 3 يونيو 2012

لن يُضَيعنا

مهما خفا عن الآخرين ما تعاني منه يظل الله وحده يعلم جيداً مابك، بل إنه معك يسمع و يرى، بل إنه أعلم بحالك منك، نحن لسنا وحدنا مهما خُيِّل لنا ذلك، يونس عليه السلام كان في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل و ظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت.. لكنه لم يكن وحده، إبراهيم عليه السلام رُمي في حفرة مشتعلة بالنيران .. ولم يكن وحده، محمد صلى الله عليه وآله وسلم و أبو بكر الصديق رضي الله عنه كانا مختبئان في غار ضيق عند أرجل الكفار لدرجة أن لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما.. لكنهما لم يكونا وحدهما، أفلا يسمعك إن قلت يا الله و هو الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء؟ أفلا يرى دمعة نزلت على خدك سراً وهو الذي يعلم قياس قطرات المطر حتى قيام الساعة؟


مهما ازدحم العالم بالمصائب إلا أنني لاأشك لحظة بأن ثمة مظلوم إلا وسيرضى بعد حين،إن لم يرض في الدنيا سيرضه الله في الآخرة، وماهي الدنيا حقاً كي نتحسر عليها وهي حلم يوقظنا منه الموت فلا نحزن على شيء فاتنا فيه إلا ساعة لم نذكراسم الله فيها، إن كنت تفرح في الدنيا القصيرة الزائلة بمن يرضيك بمنصب أو مال أو عقار وتكيل له المديح فكيف بمن يرضيه الكريم سبحانه ويعوضه في دار الخلود بشباب دائم في جنة حصباؤها اللؤلؤ له فيها قصور لبناتها الذهب والفضة و له فيها أنهار ليست كأنهار الدنيا؟ لقد بلغ به العدل سبحانه أن حتى الحيوانات يحييها يوم القيامة لتقتص من بعضها فتنطح الشاة التي لم يكن لها قرون في الدنيا أخرى كان لها قرون نطحتها بها ، ثم يكونوا ترابا بعد أن تحقق العدل التام، وهنا يتمنى الكافر لو أنه كان ترابا، لاظلم اليوم.


غمسة واحدة في الجنة تُنسي الشقي كل شقاء الدنيا لدرجة أن يحلف بعزة الله وجلاله أنه مارأى شقاءاً قط، أهل فلسطين الحبيبة لم يعانوا من جرائم الصهاينة ، الأم السورية لم تر شبيحة بشار ينحرون أبنائها أمام ناظريها ، وكأن قلوبهم لم تذق وجعاً من قبل ، وكأن الابتلاءات لم تحدث أصلاً إذ لم يعد للشقاء مكان في الذاكرة بعد غمسة واحدة في الجنة، راحة أبدية و نعيم مقيم.


على الجانب الآخر فإن للظالم عقاباً أخروياً لايكاد يقارن بعقابه الدنيوي، كل مايتمتع به في الدنيا ستمحيه غمسة واحدة في جهنم تجعله يجزم أن لم يمر عليه في الدنيا نعيم قط، سيُحرَم الطاغية حتى من الأنس بذكر أي شيء كان يفرحه من مال و عتاد ومطبلين ومؤيدين ، عدل تام يريح كل مظلوم، فلاتبتئس إن تعالت ضحكات المجرمين بل ابتسم بيقين المؤمن الواثق بوعد الله واعلم أن الظالم سيدفع ثمن كل ما جنته يداه، وهذا أمر مفروغ منه.


مانعايشه في حياتنا اليومية أو نشاهده عبر وسائل الإعلام من جرائم شنعاء يجب أن يقربنا من الله أكثر،إن كنت مظلوماً فاعلم أن الله هو العدل، إن كنت مكسوراً فاعلم أن الله هوالجبار، إن لم يستمع لشكواك أحد فالله هو السميع، اقترب من الله أكثر كي تطمئن على حالك وحال الأمة أكثر، فكما تعهّد الله سبحانه بحفظ كتابه القرآن فكذلك منحنا من البشارات مايجعلنا على ثقة بأن ثمة فرج قادم وإن طال البلاء وأن الغلبة للمؤمنين في آخر الأمر، وعليه فمن المفترض أن يعمل كلٌ حسب استطاعته لنصرة الحق الذي يؤمن به لاأن تسيطر علينا أجواء السلبية والاستسلام ليس لأن الأوضاع جيدة الآن بل لأن الجبار وعدنا بذلك وكفى.


كيف يشعر إنسان بالمسكنة وانعدام الحيلة وهو يعلم أن الله قد أحاط بكل شيء علما، يقول الكاتب الروسي ليو تولستوي " يرى الله الحقيقة.. لكنه ينتظر"..ولكل منا حقيقة يعلمها الله.. فلننتظر.. أليس الصبح بقريب؟



جريدة الراية - الإثنين4/6/2012 م


هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع فعلا
    مهما منع الله عنا أشياء فإن في منعه الفائده وكل الخير ولكن من يفهم ذلك
    تقبلي مروري وصداقتي
    لك ودي غاليتي

    ردحذف