هل وجدت نفسك يومًا متنازلاً عن أمر تحبه إرضاءً
للمجتمع؟ هل تخليت عن هواية كانت ستسعدك أو تخصص كان سيمتعك أو وظيفة كانت سترضيك
أو حتى زوجة كنت تتمناها فقط لأن المجتمع لا يتقبل ذلك؟
تضعنا الحياة أحيانًا على مفترق طرق بين سعادتنا
وبين رأي الناس، الشجاع من يقدم مصلحته على كلام الآخرين، الشجاع من ضرب معايير
المجتمع عرض الحائط وفضّل استبدال الفيلا الفخمة بشقة تؤويه كي يسدّد ديونه،
فالمجتمع لن يتألم لكونه مديونًا ولكن سيتكلم لكونه لم يعد من أصحاب الفلل، الشجاع
من يخطب لابنه امرأة أحبها الابن وإن كان يطمح لنسب آخر، اختار أن يكون أبًا مُحبًا
على أن يتجمل أمام المجتمع بأنسباء مرموقي المكانة الاجتماعية في الوقت الذي يتهشم
فيه قلب ابنه.
وعلى كل حال فمهما فعلنا لن يرضى عنا كل الناس،
البعض يغرق نفسه في الديون كي يقيم زفافًا يرضي الجميع فتكون النتيجة أنهم ينتقدون
إسرافه، البعض قد يرتدي أغلى الملابس كي يعجبهم فيتهمونه بالسطحية والغرور، يستحيل
أن يرضى الجميع بل ربما تكون محاولة إرضائهم سببًا جديدًا
لاستيائهم.
التنازلات التي نقدمها للمجتمع تكون أحيانًا من
الفداحة بمكان بحيث تسحق أرواحنا سحقًا فلا نكاد نتعرف على أنفسنا، فهل يستحق الأمر
كل هذا الذوبان كي نظل حبيسي القوالب التقليدية للصورة النمطية للفرد؟ ولماذا كل
هذا السعي المستميت ليشبه بعضنا بعضًا؟ أنا أرى أن الناس الطبيعيين بمعايير المجتمع
مملون لا إثارة تذكر في حياتهم، حتى إن رغبوا في كسر الروتين يسافرون إلى البلدان
التي يسافر إليها الجميع فلا ابتكار ولا تغيير.
ما هو المجتمع حقًا وما حدوده الجغرافية؟ وهل عند
انتقالنا إلى مجتمع آخر سنعيد تشكيل ذواتنا لمجرد أن قوالب المجتمع الجديد تختلف؟
بل ماذا سنفعل إن حرمنا أنفسنا من أمر ما ثم قام مجموعة من الشجعان في مجتمعنا بكسر
القوالب وإعادة تشكيلها كما حدث مثلاً عند قيادة المرأة للسيارة؟ هل سنتمكن حينها
من الضغط على زر سحري في داخلنا كي نتلاءم مع الصورة الجديدة أم أن الوقت سيكون قد
تأخر كثيرًا؟
من هم الناس المذكورون في عبارة "كلام الناس"؟ هل
لوجوههم ملامح؟ هل هم متفرغون كليًا للهجوم على كل من لا تنطبق عليه معايير الشخص
الطبيعي؟ في رأيي ليسوا سوى فكرة زئبقية مبالغ في تقديرها، لن تؤرقهم أوضاعنا ولن
يضرّهم ما نفعل، نحن نمثل لهم ما يمثلونه هم لنا، نحن "الناس" عندما نعكس معادلة
"كلام الناس" وهم الطرف الآخر الخاضع للتقييم والتمحيص، فهل نحن مخيفون لهذه
الدرجة؟
البعض ضحى بأمور لا يمكن تعويضها مراعاة "لكلام
الناس"، أليس كلام الناس هو ما منع الكثير من كفار قريش من الإسلام ودخول الجنة فقط
كي لا يُقال صبأوا؟ أليس كلام الناس من منع كثيرًا من الفتيات من ارتداء الحجاب في
بعض المجتمعات حتى لا يوصفن بالتعقيد أو الإرهاب؟ أليس كلام الناس من منع الكثير من
المرضى النفسيين من العلاج كي لا يُقال جنّوا مما سبب لهم تدهورًا في الأمراض التي
ربما تحوّلت إلى عقلية فيما بعد؟ هل يستحق كلام الناس كل تلك التنازلات الفادحة؟ لو
استبدلنا الخوف من كلام الناس بالخوف من الله لكنّا بخير.
وفي النهاية أنت لست مجبرًا على إرضاء الناس على
حساب حياتك أنت، لا أحد يعلم بما يؤرقك ليلاً ولا أحد يهتم بذلك، لا أحد سيشاركك
قبرك ولا أحد يستطيع ذلك، فاعلم أن لديك الخيار في كل شيء وأنك صاحب القرار شاؤوا
أم أبوا.. أولئك الذين لا وجود محسوسًا لهم.. الكائنات الهلامية التي يخيل لنا أنها
وراء النوافذ لا تحجبنا عنها إلا الستائر وفي يد كل منها منظار يرى به أعماق
أرواحنا ويحرص ألا نكون كما نريد.
جريدة الراية - الإثنين18/6/2012 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق