الأحد، 10 يونيو 2012

هنا نفقد الأمل


قال لي: "إن مديري في العمل يكرهني! رغم إتقاني الشديد لم أحصل على كتاب شكر واحد، ولا حتى كلمة تقدير". التقيته بعدها بسنة فقال لي: "يبدو أن مديري يخشى أن أسرق كرسيه، يُعاملني أسوأ معاملة، ويمنح المهمّات الرسميّة الخارجيّة لزملاء آخرين لا نكاد نراهم في مكاتبهم أصلاً"، ثم بعد عدّة أشهر صادفته فقال لي: "لقد رفعت بالأمس تقريرًا مميّزًا لمديري ضمن إطار العمل وسنرى إن كان سيُقدّر جهودي هذه المرّة!".


و تساءلت؛ إلى متى يظل الإنسان منّا متعلقًا بأمل يكذب به على نفسه، أليس من الشجاعة أحيانًا أن نتخلّى عن الأمل ونُواجه الواقع كما هو؟، ربّما من الأفضل لذلك الشخص لو يئس من تقدير المدير وقرّر بعدها إن كان يُريد البقاء في هذه الوظيفة أو تغييرها، التعلق بأمل حصول معجزة تتغيّر بها نظرة المدير جعله أسير هذه الفكرة لسنوات يسوق فيها نفسه سوقًا كل صباح إلى عمل لم يجلب له إلا الإحباط والقهر، كان سيمنحه اليأس من المدير بابًا لتحسين وضعه لكن الأمل أقفل ذلك الباب.


الأمل في غير محلّه يمنحك شعورًا كاذبًا بالأمان الذي يعميك عن رؤية حقائق الأمور، يقول الشاعر فيصل السديري " مع أنك رُحت.. ولا يُمكن ترد.. اتصدق استناك!"، هو ذلك الأمل الذي يُصوّر لك أن حبيب الأمس الذي تخلّى عنك سيترك كل ما بناه بعدك من مكانة اجتماعية مرموقة ويجثو عند بابك طالبًا العودة، هو ما يُخيّل لك أن زوجكِ البخيل سيُصبح كريمًا فجأة ويغدق عليكِ المجوهرات الثمينة، هو ما يجعلكَ ترفض حقيقة أنك أصلع وتُؤمن أن شعرك سيُعاود النمو، وكذلك على مستوى الشعوب المحتلة ينبغي علينا أحيانًا أن نفقد الأمل في فعالية الحلول الدبلوماسية كي نتمكّن من اللجوء لخيار القوّة فننال الحرية، حتى لو لم نصرّح بإيماننا بتلك الآمال الزائفة إلا أنها تُسيطر علينا والدليل أننا نحزن من عدم تحققها بعد.. لأننا ننتظرها سرًّا.


أليس من الأفضل لو أخبر الطبيب المريض المحتضر بحقيقة وضعه كي يستعدّ للرحيل ؟ أليس من الأفضل لمن أعياه العطش في الصحراء أن يُوفّر جهده فيتوقّف عن ملاحقة السراب؟ ألا يستخدم الكثير من الكفار الأمل كذريعة للاستمرار على الباطل؟ قال تعالى: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويُلههم الأمل فسوف يعلمون" سورة الحجر - آية 3.


جميل أن نتشبّث بشيء، ولكن سياسة التشبّث باللا شيء مضيعة للعمر، نستخدم الأمل الزائف أحيانًا كستار يحجب كسلنا أو عجزنا عن تسيير أمور حياتنا، الأمل ليس مُسكّنًا للألم ولكنه دواء إن كانت الوصفة منطقية، الأمل ليس نيّة محلها القلب فحسب وإنما هو قناعة تُترجمها الجوارح، هو إيمان عميق بشيء موجود أو يُمكن إيجاده، ليس افتراضًا اعتباطيًّا لا محلّ له من المنطق.


هناك أمور تستحق أن نفقد الأمل من حدوثها كعودة الصبا وثبات الحال، وكذلك هداية البشرية قاطبة، قال الله تعالى ضمن الآية 31 من سورة الرعد: "... أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا..)، الأمل الحق لا يتعارض مع الواقعية، أرى أن لبّ الأمل يدفعنا نحو النظر للواقع بمرونة تسمح بإعادة تشكيله ولا تُلغيه، أمّا الأمل الكاذب أو الزائد فمفسدة للطموح لأنه يتسبّب بالإحباط.


خلاصة القول: إن حديث هذا الاثنين وإن بدا في ظاهره دعوة لليأس؛ إلا أنه في الحقيقة دعوة لأمل من نوع آخر قبل أن يسرق الأمل الكاذب أعمارنا.


جريدة الراية - الإثنين11/6/2012 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق