حين كنت طفلة في بداية تعلمي للكلام كنت كعادة الصغار كثيرة البكاء، وعند احتدام بكائي يوماً سألني أبي بنفاد صبر: "هل هناك شيء معين تريدين الحصول عليه!؟" وذلك في محاولة يائسة لإسكاتي بلغة الكبار، فهدأت ورددت بالإيجاب، فتفاجأ وسألني مستبشراً "حسناً، ماهو؟!" قلت: "أريد.. مُعَيَّن".
وظلت هذه الحادثة مادة للضحك في العائلة حتى كبرت وعرفت أن بحثي عن المعين لم يتوقف يوماً، إلى أن وجدت بعضه في الكتابة عن النفس الإنسانية، فأصبحت بين أيديكم كل اثنين، ورغم تواضع كتاباتي لكنها بالنسبة لي حالة وجدانية تمنحني السلام الداخلي.
ذلك الشيء المعين هو ما يبحث عنه الجميع، وهو يختلف باختلاف اهتماماتهم، كل إنسان بحاجة إلى شغف لذيذ يشعل في داخله رغبة الحياة، قد يكون هذا الشيء المعين الذي تحتاجه متعلقاً بطموحك الأكاديمي وتعطشك الدائم للمعرفة، آخرون يبحثون عن شيء معين يحقق لهم أمانا ماديا كالتجارة، الشيء المعين هو شغف يشغل صاحبه ويشعره بالمتعة.
البعض استطاع اكتشاف ذلك الشغف وربما وجد وظيفة تتعلق به فأصبح شغفه مصدر رزقه مما جعله من السعداء، البعض الآخر وجده واكتفى به كهواية يخصص لها من وقته ويواجه بها ضغوطات الحياة، وهناك من الناس من تعددت اهتماماتهم فأصبحت حياتهم مزدحمة بالأحداث الممتعة.
على الجانب الآخر، هناك أفراد لم يجدوا بعد ذلك الشيء المعين الذي يسعدهم القيام به، وهناك من عاش ومات دون أن يجده، ما أتعس الحياة حين تعيشها بلا شيء يثير اهتمامك وتستمتع بالقيام به، إن غياب ذلك الشيء يعني غياب الرغبة المشتعلة في عروق الإنسان؛ التي تحرك كل جوارحه وتحقق له الإثارة التي تشعره أنه حي.
لكي تعرف الشغف الذي يناسبك عليك أن تبحر في رحلة لاستكشاف الذات، قد تكون محباً للحيوانات مثلاً فتبحث عن أنشطة متعلقة بهذا الشغف، وهناك من لديه شغف مساعدة الآخرين فيشغل وقته بالتطوع وتقديم الخدمات مما يمنحه السعادة، آخرون لديهم شغف متعلق بالصحة ويسعون لاكتساب المزيد من المعلومات للعيش بأسلوب حياة صحي أكثر، أياً كان الشغف الذي يحركك ومهما كان بسيطاً في نظر الآخرين؛ تمسّك به.
جريدة الراية القطرية - الإثنين 17/12/2012 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق