الأحد، 2 ديسمبر 2012

اترك مسافة

نحن لا نتحكم بمزاج سائق السيارة التي أمامنا إن أراد التوقف فجأة، فإن لم نترك بيننا وبينه مسافة يكون اللوم علينا عند الاصطدام، لا تتوقع من الآخرين أن يقوموا بأدوارهم على أكمل وجه، أنت لست مسؤولاً عن أخطائك فحسب وإنما عليك كذلك حماية نفسك من أخطائهم، فأنت الشخص الوحيد القادر على توفير البيئة الآمنة لذاتك.
 
بشكل أو بآخر نحن شاركناهم ما ارتكبوه في حقنا، لن أسألك عن الصديق هجرك ولكن أسألك لماذا لا يوجد في حياتك مصدر آخر للفرح، لن أسألك عن الحبيب الذي آذاك ولكن أسألك من الذي فتح له الباب وسمح له أن يلعب بك، لن أسألك عن الابن الذي خذلك ولكن أسألك لماذا رفعت سقف توقعاتك عالياً.
 
أتجنب الإشفاق على من يشتكي من أخطاء الآخرين في حقه وإن كان ذلك الشخص هو أنا، لأن الحياة أعطتني من الدروس ما جعلني أرى في لوم الآخرين ضعفاً ومضيعة عمر، لا أتحدث هنا عن الظلم الصارخ في حق من لاحول لهم ولا قوة، بل أرى في الاستهانة بذلك قسوة ولا إنسانية، ولكن أتحدث عما كان بالإمكان تفاديه، أتحدث عن الفرص التي منحناها لهم ليُمعنوا في إيذائنا أكثر، أتحدث عن الباب الذي فتحناه بأيدينا ليدخلوا منه سكاكينهم، إنه المنطق الذي يحتم عليك حماية نفسك ويذكرك مراراً وتكراراً أن لا تثق بأحد، وكما يقال: حتى ظلك يتخلى عنك في الأماكن المظلمة.
 
ولأترك التشبيهات جانباً، فأنا أتحدث تحديداً عن زميل العمل الذي كشفت أمامه نقاط ضعفك ليستخدمها ضدك في أول اجتماع، أتحدث عن الحساب البنكي المشترك مع زوج يستخدمه في شراء هدايا للصديقات، أتحدث عن الزوجة التي كشفت عيوب أهلها أمام زوجها ليعيّرها بهم عند أول خلاف، أتحدث عن الغباء، عن السذاجة، عن الإهمال، سمها ما أردت، فأنا وأنت نعرفها جيداً.
 
لابد أن يترك كل إنسان مسافة من المنطق تمنحه الأمان وتحول بينه وبين أذى الآخرين له أو حتى أذاه هو لنفسه، علمتني أمي وأنا صغيرة أن أفكر جيداً قبل القيام بأي تصرف كي لا أندم، الأمر حقاً بهذه البساطة، التفكير بروية هو مسافة المنطق التي ينبغي أن تحول بيننا وبين أخطائنا أو أخطائهم في حقنا، أترك مسافة من المنطق بينك وبين كل شيء، بينك وبين أعدائك وزملائك وأصدقائك وحتى أقرب الناس إليك، والأهم من ذلك: أترك مسافة من المنطق بينك وبين قلبك.
 
 
جريدة الراية القطرية - الإثنين 3/12/2012 م
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق