الاثنين، 7 مايو 2012

مصعد النجاح مُعَطّل

يقول السياسي الألماني هلموت شميت:"من يريد الوصول إلى هدف بعيد عليه أن يخطو خطوات صغيرة"، وظاهرياً رغم أن كلمة "صغيرة" التي وصفت الخطوات لاتبدو فعاّلة بجانب كلمة "بعيد" التي وصفت الهدف؛ إلا أن الواقع يثبت أن الأهداف البعيدة هي بالذات تتطلب خطوات صغيرة مستمرة، لاتستهين بقطرات الماء الرقيقة فبإمكانها حفر الصخر، بل وإن بعض الطواغيت يستخدمون هذه القطرات للتعذيب حيث تكاد تقود ساكني السجون الانفرادية إلى الجنون. 

بالخطوات الصغيرة المستمرة نحو الهدف قد يستطيع الشخص الذي يلهث بإعياء من مجرد صعود الدرج أن يكتسب لياقة مبهرة فينهي ماراثوناً يجري فيه لساعات متواصلة، بالخطوات الصغيرة المستمرة استطاع الكثير من الأفراد حفظ القرآن الكريم كاملاً، واستطاع آخرون استكمال مراحل تعليمهم الذي توقفوا عنه لسببٍ ما، ما أكثر من اكتسب الملايين بتلك الخطوات المستمرة، بل وبها يصل البسطاء إلى مقاعد رئاسة الدول العظمى، وعلى صعيد آخر فالواقع يشهد أن بالتصرفات الصغيرة اليومية قد تستطيع المرأة تطويع الرجل الذي تحب كيفما تحب إيجاباً أو سلباً، إن التغيير العميق لايأتي بين يوم و ليلة، هو نتاج محاولات صغيرة مستمرة بشكل منتظم، هي الخطوات الصغيرة البريئة ظاهرياً لكنها في منتهى القوة، حتى إبليس اللعين نفسه يستخدم هذه المنهجية، فهو لايجر الناس إلى درب الغواية مباشرة، وإنما يتدرّج ويتبّع أسلوب الخطوات الذي ينجح فيه بجدارة، قال تعالى ( يَا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبعُوا خُطوَاتِ الشَّيْطان..) الآية 21 - سورة النور.

أنت من يحدد الخطوات الصغيرة التي تناسب هدفك و وضعك و استطاعتك، مهما كانت الخطوة صغيرة فاستمرارها يمنحها فعالية قصوى، يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "على من يريد أن يتعلم الطيران أن يتعلم أولاً أن يقف و يمشي ويجري ويتسلق ويرقص"، أي خطوة ممكنة تقرّبك نحو هدفك قيد أنملة تستحق أن تخطوها، لا تضيّع الوقت في القلق بشأن الألف ميل القادمة مادمت قادراً على أن تخطو تلك الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، وفي هذا السياق يقول مارتن لوثر كنج: "خذ الخطوة الأولى بإيمان، قد لاتتمكن من رؤية الدرج كاملاً، فقط خذ الخطوة الأولى".
 
 
إن الخطوات الصغيرة تتطلب من الإنسان إيماناً قوياً بنتائجها التي لاتُرى إلا بعد حين، ورغم أنها غير مُجهدة إلا أن الكثير يفشلون في المداومة عليها بسبب قصر النظر وقلة الصبر، نحن متى ماوضعنا الهدف أمام أعيننا وآمنّا به حقاً سنتمكّن من الاستمرارعلى هذه الخطوات، هي خطوة واحدة صغيرة تتلوها أخرى، وبعد ذلك ستبداً الأمور بالتحسن تدريجياً وسيتّضح آخر الدرب مع مرور الوقت، ستأتي الإنجازات الكبرى تدريجياً؛ لن تأتي في يوم وتاريخ محدد ولكن ستأتي بالتدريج، قد لا نلاحظها مباشرة، بل ربما يلاحظها من حولنا بشكل أوضح.

قليل دائم خير من كثير منقطع، وهناك حكمة صينية تقول: "أن تأخذ خطوات صغيرة عديدة نحو الاتجاه الصحيح أفضل من أن تقوم بقفزة عظيمة نحو الأمام وتتعثر بعدها إلى الوراء"، أرى أن أحد أكبر أخطائنا في حق طموحاتنا هو السعي نحو النجاح السريع، فالنجاح الذي يدوم هو ما اتجهنا نحوه بخطى ثابتة و طبخناه على نار هادئة في إطار زمني ممتد نسبياً، إن مايعوض بطء نتائج الخطوات الصغيرة هو أن هذه النتائج تكون أكثر ثباتاً وأطول عمراً من تلك التي أتت بسرعة وبلا تخطيط، كما أن الإنسان يشعر باستحقاقه لتلك النتائج ويسهل عليه تقديرها والمحافظة عليها أكثر من تلك التي أتت في وقت قصير فيهون عليه التفريط فيها، وحول ذلك يقول الأديب السعودي عبدالرحمن منيف "عليك أن تعد وجباتك على نار هادئة، فالنار الهادئة وحدها تنضح طعاماً لذيذاً".

- العنوان مقتبس من مقولة الكاتب الأمريكي جو جيرارد (الملقب بأعظم رجل مبيعات في التاريخ): "مصعد النجاح معطل، إن عليك أن تستخدم الدرج، خطوة واحدة في المرة الواحدة".

جريدة الراية - يوم الإثنين /5/2012 م




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق