الأحد، 18 نوفمبر 2012

ألم تبن البيوت إلا على الحب؟

عاتب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً أراد أن يطلق زوجته لأنه لا يحبها فقال له "ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟"، على الجانب الآخر فإن الكثيرين يرون أن الحب..تلك المشاعر المرتبطة بكيمياء الجسم.. تلك الأحاسيس التي ينبض بها قلب متقلب وتسيرها روح ليست ملكاً لصاحبها: هو وحده المسؤول عن نجاح العلاقة من عدمه، رغم أن في الأمر مخاطرة كبيرة إذ ليس ثمة بوليصة تأمين على المشاعر.
 
إن عدم وجود الحب لا يعني الكره بالضرورة، الاحترام والثقة أمران قد يغنيان عن الحب بل يفوقانه أهمية وربما دخلا ضده في معركة يفوزان فيها بجدارة فتفشل العلاقة التي لم ينجحها الحب، ثم إن نوع الحب نفسه قد يكون سبباً في إفشال العلاقة، فليس كل حب جميلاً، هناك أنواع مشوهة من الحب تدفع بصاحبها إلى الشقاء وقصور التفكير، فكم من امرأة عشقت زوجها حتى وصلت لدرجة الغيرة الهوجاء والشك والحساسية الشديدة لأي موقف، فنفرته منها وجعلته يكره حبها له، وفي هذه الحالة عدم كفاية الحب ليست سبب إفشال العلاقة، وإنما نوع الحب هو مازعزع أركان ذلك البيت، والأمر ذاته ينطبق على الأزواج ممن وصل حبه لزوجته لدرجة التملك والشك فحرمها من كل ماسواه حتى كرهت الزواج وفقدت طعم السعادة.
 
وددت لو أن الحب هو تلك العصا السحرية التي تحل كل المشاكل، ولكن الواقع أمامي يقول إن القيم المثالية كالحب والطيبة والوضوح ليست ما ينجح العلاقة، وإنما الصفات العملية كالذكاء والحكمة والصبر والاستقلال العاطفي وغير ذلك من صفات السعداء الناجحين في علاقاتهم، تلك الصفات التي إن تمتع بها الشخص فإنه سيستطيع معالجة كل طارئ بتجرد من أحكام القلب التي كثيراً ما تكون مشوشة وغير حيادية.
 
يقال إن عمر الحب العنيف قصير، مما يؤكد على أن الحب -مهما غرتك قوته- ليس غير كاف فحسب؛ وإنما زواله وارد جداً ، المشاعر القوية الهائجة أكبر من أن تستمر، فالحب المجنون مثله مثل الكره المجنون، أكثر شدة من أن يستمر، لا تحتمله أرواحنا، وهو أولى من غيره بالفتور والاضمحلال، فلا يغرنك الحب واجعل لك في كل أمورك خط رجعة، لا تضحّ من أجل الحب بخطوط الرجعة التي أراها صمّامات أمان يصعب تعويضها كالشهادة أو الوظيفة أو علاقتك بأهلك وغير ذلك من الأمور التي تعد مضمونة أكثر من الحب ذاته، رغم أن لا شيء في هذه الحياة مضمون بنسبة 100%.
 
أوردت الكاتبة الأمريكية شون سولفو ضمن سيناريو فيلم (ماجدولين الكابتن كوروللي) المبني على الرواية الإنجليزية بذات العنوان لقصة حب تدور أحداثها وقت الحرب العالمية الثانية؛ بأنك عندما تقع في الحب، فإنه جنون مؤقت، يهجم كزلزال، وبعد ذلك يهدأ، وعليك بعد أن يهدأ أن تتخذ القرار، إما أن تجتهد في معرفة ما إذا كانت جذوركما قد أصبحت متصلة ببعضها لدرجة أنه من المستبعد أن تفترقا في يوم ما، وذلك أن هذا هو الحب.. الحب ليس حالة تسارع الأنفاس، إنه ليس تلك الإثارة، ولا تلك الرغبة الشديدة في لقاء ذلك الشخص في كل ثانية من اليوم، تلك الأمور ليست الحب وإنما هي حالة "الوقوع" في الحب ؛ الأمر الذي يستطيع أي منا إقناع نفسه بالشعور به، الحب نفسه هو بقايا تلك الحالة بعد أن تخمد نار الوقوع في الحب، لا يبدو الأمر مثيراً لتلك الدرجة، أليس كذلك؟ ولكنه كذلك.
 
هي دعوة لحقن العلاقات بجرعات من العقلانية التي لن تقلل من الرومانسية وإنما ستقلل من أضرار الاندفاع الأهوج خلف مشاعر قد تكون مؤقتة.
 
جريدة الراية القطرية -  الاثنين 19/11/2012 م

هناك تعليق واحد:

  1. كلامك كله حكمه و من خلال تجربتي فالحياه استطعت ان اتواصل بافكاري الى جميع النقاط التي ذكرتيها .. حكيمه مع صغر سنك

    ردحذف