رغم اقتناعي أن صوت التجربة يعلو على صوت العلم، إلا أني لا أتفق مع بعض ما ورثناه من تجارب البشريّة في بعض المقولات التي قد تكون مضللة، ومنها على سبيل المثال:
- الظفر لا يطلع من اللحم: ويُقصد بهذه المقولة أن عرى القرابة ثابتة أبدًا، أمّا من الناحية الحرفيّة فالظفر قد ينفصل عن اللحم لأسباب مختلفة كمرض يُصيبه أو حادث ما، وأمّا من الناحية الرمزيّة فكم من صديق ارتبط بصديقه رباطًا أقوى من رباط الدم، وكم من إخوة افترقوا لأسباب دنيويّة مهينة، بل إن القرآن الكريم بيّن في قصة نوح عليه السلام أن ابنه ليس من أهله المبشّرين بالنجاة حيث فرّق الكفر بينهما فقال ربنا سبحانه في سورة هود - آية 46: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ..).
- الرجل لا يعيبه إلا جيبه: في هذه المقولة اعتداء صارخ على الرجولة الحقّة باختزال ما يعيبها في حالة الرجل المادّية ودحض كل ماعدا ذلك من عيوب حقيقيّة في أخلاق الشخص، وفي هذا السياق أُشير إلى أن الاستثمار الحقيقي إنما هو في الإنسان الذي قد يستطيع فيما بعد اكتساب المال بينما لن تستطيع كل أموال العالم أن تمنح شخصًا ما إنسانية لا يتمتع بها من الأساس.
- يد واحدة لا تُصفّق: تُقلل هذه المقولة من الفعالية الفرديّة في تحقيق التغيير وتُلمّح إلى أن الإنسان ما لم يحظ بدعم ومساعدة فلن يستطيع الإنجاز، وهذا غير صحيح فكم من البيوت بُنيت على شخص واحد بينما غرق شريك الحياة الآخر في عالمه المنفصل عن الواقع، سمعت الكثير عن أمهات نجحن في تعويد أبنائهن على صلاة الجماعة وإيصالهم للمسجد يوميًّا في الوقت الذي يغطّ فيه الأب في نوم أو سكر عميقين، نعم قد لا تستطيع اليد الواحدة التصفيق حرفيًّا؛ ولكنها تستطيع التطبيل بصوت يفوق دويّه عشرات المُصفّقين.
- لا يُوجد دخان من غير نار: تفترض هذه المقولة وجود أساس من الصحة لكل الافتراءات التي يُصدرها الناس في حق بعضهم بعضًا، وعليه فإنها تُساهم في تشويه سمعة الكثيرين بشكل غير مباشر؛ فهي تدعو إلى تصديق ما يُقال في حق الأبرياء مما يدعو لنشر الأكاذيب بدل الترفّع عنها، الدخان حرفيًّا قد يتكوّن بلا نار لتفاعلات كيميائيّة وغيرها، وكذلك الإشاعات قد تكون مفبركة بنسبة تتجاوز الـ 100% فالعقل البشري لا يحتاج الحقائق لينسج الدسائس وإنما لديه الخيال الكافي لاختلاق الأكاذيب من الصفر.
- الطريق إلى قلب الرجل معدته: هذا القول قد تكون به نسبة بسيطة من الصحّة ولكنه أغفل الدور الحيوي للروحانيات واختزل الطريق إلى قلب الرجل بشهوة الطعام وهي نزعة بدائية وسطحيّة للغاية، وكأن الإنسان يعيش ليأكل ولا يحتاج غير ذلك من الدعم المعنوي والتواصل الروحي الذي لا علاقة تُذكر بينه وبين لفائف السمبوسة.
ختامًا، على الإنسان أن يحتكم إلى فهمه الخاص في كل ما يتلقاه من "بديهيات"، فعقله قادر على غربلة نواتج التجارب الإنسانية بل والإتيان بمثلها وبما هو خير منها ليُورثه للقادم من الأجيال.
حديث الإثنين - جريدة الراية 1/10/2012 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق