هناك طرق كثيرة ومجربة كي ينهي الإنسان حياته، الغالبية من البشر يختارون الطرق التي يطول زمنها ويقل ألمها، والبعض في مجتمعات أخرى يلجأون لطرق أكثر صرامة فينهون حياتهم في الحال، أتحدث هنا عن الطرق التي يستخدمها أفراد مجتمعي المسلم المحافظ، ليعذرني من انزعج من فظاظتي ولكني أردت اليوم أن أسمي الأمور بمسمياتها ولم أجد وصفاً ملائماً أكثر من الانتحار، صحيح أنك لن تموت إلا في يومك،ولكن بيدك أحياناً أن لاتكون متسبباً في موتك، بيدك أن لاتجعل حزنهم في عزائك مختلطاً بعتب دفين ولوم غاضب، وربما شعروا أنهم قد قصّروا في توعيتك، هذا الشعور لوحده موت آخر، فلاتعرضهم لذلك.
-إن كنت تمارس قيادة السيارة بلامبالاة، فتسرع أو تتسابق، وتتفنن في إرسال اللطائف والطرائف عبر الواتساب و البلاكبيري وغيرهما.. فأنت تنتحر!
-إن كنت قد استسلمت لزيادة الوزن، ولم تسمح لأحبتك أن ينتشلوك مما أنت فيه، فأمعنت أكثر في إيذاء صحتك، وأرغمتهم على متابعة حالتك بقلق وأنت تكبر حجماً أمام أعينهم، وسقطت فريسة أمراض القلب وغيرها.. فأنت تنتحر!
-إن انغمست في التدخين، وتعالى صوت سعالك الذي يقطع أفئدة أحبتك، وبدأت شفتيك في التلوّن البغيض، وربما تسلل المرض إلى رئتيك.. فأنت تنتحر!
-إن كنت مصاباً بمرض مزمن كالسكري وغيره، وتهاونت في أخذ الدواء واتباع إرشادات الطبيب، ولم تبال بكل توسلات أحبتك.. فأنت تنتحر!
هذا عوضاً عن الأسباب الأخرى النفسية التي لاتقل خطورة عن ماسبق كالتعايش المرير مع شريك حياة سيئ يترك شريكه فريسة للأمراض النفسية والعضوية حتى يمتص آخر قطرة حياة منه، وكالاستسلام للاكتئاب وغيره دون بذل مجهود جدي للعلاج.
إلى كل المنتحرين الأحياء، لا أشفق عليكم بقدر ما أغضب منكم، من منحكم حق حرق قلوب الأمهات والآباء؟ من أجاز لكم التهاون في حياة يشارككم فيها آخرون؟ كيف هان عليكم الاستسلام للوضع أمام توسلات الأحبة والانغماس أكثر في إيذاء النفس وتعريضها لمختلف المخاطر والشرور؟
يؤلمني حال الأم التي ينتفض قلبها مع كل صوت سيارة إسعاف لأنها تعلم أن فلذة كبدها سائق متهور، فتسارع بالاتصال به مع كل صفارة انذار، ولايهدأ فؤادها إلا إن سمعت صوته وتأكدت أن سيارة الإسعاف لم تكن في طريقها إلى جثته، أما إن لم يرد على الاتصال (لأي سبب كان) فهذا هو الرعب بعينه.
يؤلمني حال الابن الذي يقضي الساعات ليبحث عبر الانترنت عن وسائل ينقذ بها أبيه من إدمان التدخين، ويضطرب فؤاده مع كل صورة مرعبة تظهر أثناء بحثه لمدخنين أصيبوا بأمراض مميتة، فيطبع الصور ويحاول بلا طائل إنقاذ أبيه من هذا الوضع، وربما ذهب إلى الصيدلية بما لديه من مصروف ليشتري لأبيه هدية كعلكة نيكوتين أو ملصقٍ ما!
من المخجل أن نتابع أخبار استشهاد الأبطال عبر شاشات الأخبار، بينما تحصد الممارسات اللامبالية أرواح أبنائنا ولانبذل جهداً إعلامياً كافياً لتوعيتهم بقيمة حياتهم الغالية علينا وعلى الوطن.
"إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت.. إنها قضية الباقين!" غسان كنفاني.
جريدة الراية-الإثنين19/3/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق